السلام عليكم
بعد أن تأسست إمارة آل رشيد وأمسى لها سلطان في شمال نجد وعصبية قوية تؤازرها , عظم الأمر على أمراء القصيم خاصة أميري المدينتين " عنيزة " التي يرأسها في ذلك العهد " زامل بن سليم " وأمير بريدة " عبدالعزيز بن عليان " وتضاعف هذا الخطر واشتدت العداوة أكثر من اللازم بعد معركة ( بقعاء ) .
ورأى أمراء القصيم أن خير الأسباب التي تقيهم شر هذا الخطر هو القضاء على المؤسس لهذه الإمارة !!!
وقد كانت مؤامرة أهل القصيم لقتل عبدالله الرشيد مبنية على اختيار شخص يُدعى " أبي هادي " وهذا الشخص استلم من أصحاب المؤامرة مبلغاً من المال مقدماً ؛ كما أنهم تعهدوا له أن يسلموه مبلغاً آخراً بعد قتله للأمير .
وأبو هادي هذا رجل ضعيف الإدراك - كما ذكر المؤلف - بحيث أن أصحاب المؤامرة استطاعوا أن يخدعوه ويوهموه بأنه إذا قتل الأمير عبدالله فإنه سوف يهرب ولا يستطيع أحد أن يراه ولا يتمكن عدوه من القبض عليه وذلك بفضل الطلاسم التي يحملها في عنقه !!!
وأكد أصحاب المؤامرة لأبي هادي أن مايحمله من الآيات القرآنية والطلاسم الملفقة ستكون له سد منيع يقيه مفعول السلاح .
وكانت الطريقة التي تجعل " أبا هادي " يستطيع بها قتل الأمير , هي أنه كان يُحسن الرقص بالرمح من الأساس كما أن حركاته وشكله وخفته كل ذلك تشفع له فيما إذا شاء أن يجعل نفسه مضحكاً لأي حفل كان , وهو من قبل كان متخذاً ذلك - أي الرقص - حرفة له .
المهم .. سار " أبو هادي " من القصيم حتى وصل مدينة حائل عاصمة إمارة عبدالله الرشيد آنذاك , فحل ضيفاً هناك وفي حينه استعمل لعبته المضحكة ..!! ومن البديهي أن الغريب إذا قدم لبلد ما سيكون محطاً للأنظار , وتتفقد الناس أخلاقه خاصة إذا كانت البلدة قليلة السكان " كحائل " في ذلك الوقت .
مضت أيام على " أبي هادي " وهو يرقص أما سكان المدينة ويضحكون عليه وكل من رآه يُعجب برقصه , ويأخذه الإعجاب ويذكره للذي لم يره ؛ فلم تمضِ مدة على " أبو هادي " إلا وهو بمثابة النادي الذي يُتخذ للتسلية والمرح !!!
إلى أن أصبح يتفرج على رقصه وحركاته الكثير من سكان المدينة , وفي النهاية بلغ الأمير عبدالله أمر " أبو هادي " فأرسل رسوله ليستدعيه حتى يضحك هو ومن يجلس في مجلسه عليه .
وفوراً حضر " أبو هادي " وطلب منه الأمير أن يلعب ويرقص كما كان يفعل , فلبى طلب الأمير الذي يرى أن هذا هو منتهى أُمنيته ؛ ولكن " أبو هادي " عندما أراد التنفيذ اختل توازنه وارتعشت أعصابه وارتبك ارتباكاً جعل الحاضرين يشكون في أمره وينتبهو له ..!!
وكان أول من انتبه له شخص لمَح للأمير عبدالله بكلمة تجعل " أبو هادي " لاينتبه ولا يشعر بمعناها !! فقال كلمة عاميَة وهذا هو نصها :
(( الحمراء كبيرة ياعبدالله )) أي أن رئتك أكبر من قلبك فأنت لا تشعر بما يُدبَره لك هذا الراقص !!!
فألقى الأمير عبدالله القبض على " أبو هادي " فازداد ارتباكاً وانهارت أعصابه مما جعل الأمر يتحول من شك إلى يقين بالنسبة للأمير , عنئذٍ تولى الأمير التحقيق معه بنفسه فاعترف له بدون تردد وبعد اعترافه أطلق سراحه وعفى عنه ولم يُعاقبه بأية أذية .. ثم أنشد الأمير قصيدته الشعبية الخالدة فقال :
لي ديرةٍ مابه حذا البرد والجوع = لـولاي عـفَـيـته بضـرب الهـنـادي
حميتـها عن كـل دوَار ومطمـوع = حـيٍ نصـبَحـهـم وحــيٍ نـهــادي
القـلب مصموعٍ وبالكـف قاطـوع = ماهي حكايا رقصتك يابو هادي
ولا حد يطيع إلا له السير ممروع = وإلا بـضــرب مصـقَـلات الهـنـادي
فعَـال نـوَ الخير نجـزاه بنـفـوع = مـن مالـنـا نكـثـر عليـه العــدادي
والشـر فعَـاله نجـازيه بجـمـوع = وزيـرٍ إلى جاء الفجر حسَه ينادي
أخو عبيد إلى هبا كل مسبوع = أسهر إلـى نامـت عيون السـرادي
أحاول الدنـيا بداخـل ومطـلوع = بالمــال وإلا بمـرهـفـات الحـدادي
كم خيَـرٍ عـانٍ لنا شـاكٍ الجـوع = حـاديـه من لـوعـات الأيـام حـادي
لو مانـعـرفه راح منَـا بمطـموع = من راس مــالٍ نـجـمـعه للنـفــادي