بالإخلاص يكمل إيمان المؤمن ويسمو !!!!
بالإخلاص يكمل إيمان المؤمن ويسمو
"هو الحى لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين" "غافر آية 65" "ألا لله الدين الخالص" "الزمر آية 3" "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء" "البينة آية 5" قال ثعلب "يعنى بالمخلصين الذين أخلصوا العبادة لله تعالى، وبالمخلصين الذين أخلصهم الله عز وجل. فهذا إبليس يلتمس من رب العالمين، بعدما استكبر ولم يسجد مثل الملائكة لآدم، "قال فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين" "ص آيتان 82-83" الذين أخلصهم الله عز وجل، فالمخلصون بفتح اللام هم المختارون، والمخلصون بكسر اللام هم الموحدون. والإخلاص فى الطاعة: ترك الرياء.
قال أبو عثمان النيسابورى "الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق" وقال الفضل بن عياض "ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما" روى عن أبى هريرة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جلب "اخلص لدينك يكفيك القليل من العمل".
عندما سئل الجنيد عن الصدق والإخلاص قال "الصدق أصل، والإخلاص فرع، الصدق أصل كل شيء، والإخلاص لا يكون إلا لله بعد الدخول فى الأعمال، والأعمال لا تكون مقبولة إلا بهما". وقد قال "بلاكويلاند" "الإخلاص كالتوابل، فالإكثار منها يسبب لك نفورا، والقليل منها يجعلك بحاجة إليها". فالإخلاص لله فى أى عمل يقوم به الإنسان سواء فى العبادة، أو فى المعاملة، أو فى القول، أو فى العمل، أو فى أى فعل من الأفعال. هو حماية للإنسان، وحصانة من الخطإ والغفلة، يتضمن التمسك بالمبادئ الإنسانية النبيلة ومكارم الأخلاق، والاعتصام بحبل الله، والمواظبة على أداء الفرائض الدينية بخشوع لله عز وجل أى المثابرة عليها والمداومة عليها.
الإخلاص جهاد، لأنه صراع الحق ضد الباطل، وصراع الصدق ضد الكذب، وصراع الإيمان ضد الإنكار، فالمخلص ينتمى إلى المؤمنين الذين "يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" "التوبة آية 71" ويصارع المنافقين الذين "يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف" "التوبة آية 67" فالأولون "يطيعون الله ورسوله" والثانون "نسوا الله فنسيهم". والمخلص من استجاب لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم "حببوا الله إلى عباده يحبكم الله" وهو حديث صحيح رواه الطبرانى والضياء عن أمامة.
ومن هذا المنطلق السليم فى السلوك المستقيم، وصفاء القلب، وحكمة العقل يمدح الرسول عليه الصلاة والسلام المخلصين فى حديث رواه ثوبان "طوبى للمخلصين، أولئك مصابيح الهدى، تنجلى عنهم كل فتنة ظلماء" وفى حديث الترمذى عن عائشة "طوبى للسابقين إلى ظل الله، الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوه بذلوه، والذين يحكمون للناس بحكمهم لأنفسهم" من خصال المخلص ما قال عنه خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام "من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، فهو ممن كملت مروؤته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته" وفى حديث آخر رواه البخاري، وأحمد والترمذي، وابن ماجه، عن ابن عمر "المؤمن الذى يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذى لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".
أتساءل هل حقا فى عصرنا فهم الناس فهما جيدا أن الإخلاص يتضمن الصدق، والعدل، والإيمان الصحيح، والعقيدة المطهرة الخالصة لله وأن يحبوا لغيرهم ما يحبون لأنفسهم، ويكرهوا لغيرهم ما يكرهونه لأنفسهم؟ وهم يدركون أن الإخلاص نور يقذفه الله فى قلوب المصطفين من عباده، يصلهم بالله خالقهم، ويحيى منهم موات قلوبهم، ويهبهم فى الحياة طاقات من القوة تسمو بهممهم، وتعلو بعزائمهم، وتنهض بمثلهم ومبادئهم، وتحلها المكان الأول من حياتهم، فلا أثرة ولا أنانية، ولا رياء ولا نفاق، ولكن طهر وصفاء.
وكمال ونقاء، به يبلغ الإنسان الذروة من السمو والرفعة، ويحتل منازل الأبرار والمقربين. يقول صلى الله عليه وسلم "طوبى للمخلصين الذين إذا حضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، أولئك هم مصابيح الهدى تنجلى بهم كل فتنة ظلماء" رواه البيهقى عن ثوبان.
وبالإخلاص يكمل إيمان المؤمن، ويتحرر من نزواته وغرائزه، وشهواته وعاداته، ويستعلى على حظوظ هذه الحياة، سموا بنفسه أن تسيطر عليه بزينتها وزخرفها فلا يعميه الحب عن الحق فيميل عنه، ولا ينسيه البغض فى الله، طمعا فى رحمته، ورغبته فى رضاه، قال صلى الله عليه وسلم "من أحب لله، وأبغض لله وأعطى لله، ومنع لله. فقد استكمل الإيمان" رواه الترمذى بسند حسن.
والإخلاص وحده هو الذى توزن به الرجال، وتقدر به الأعمال، والله سبحانه لا ينظر من الناس إلى المظاهر والأشكال كما ذكرت فى بداية كلامي. والعمل لا نور له، ولا يعتد به إلا إذا صدر عن نية طيبة خالصة، وكانت غايته تحقيق الخير للفرد والجماعة، وابتغى به وجه الله ولو بذل فى سبيله كل ما يعتز به الإنسان فى هذه الحياة. والتخلق بصفة الإخلاص والصدق يكسب الفرد النجاح والظفر، ويشرح بالخير صدره، ويملأ بالنور قلبه، ويكون به فى حياته من السعداء الآمنين والجماعة التى تتألف من أفراد مخلصين تتميز بسمو غايتها ونبل مقصدها. وتترفع عن التورط فيما يعيبها أو يحط من قدرها، وتعيش وهى تظلها ألوية المحبة ويعمها الأمن والسلام ويجعل الله لها من كل ضيق فرجا وفى كل شدة مخرجا.
وأمتنا الإسلامية لم تبلغ ما بلغت من العزة والقوة إلا بفضل إخلاصها لله خالقها ولمبادئها وعقائدها، إخلاصا خالط المشاعر والقلوب فأخلصوا فى العمل، وأخلصوا فى القول، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم "وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا الله" "المائدة آية 2" فبالإخلاص يكمل إيمان المؤمن ويسمو بنفسه إلى المعالي.
|