السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تذكُّرُ الماضي والتفاعل معه واستحضاره، والحزن لمآسيه حمقٌ وجنون،
وقتلٌ للإدارة وتبديد للحياة الحاضرة. إن ملف الماضي عند العقلاء يطوى ولا يروى،
يغلق عليه أبدا ً في زنزانة النسيان، يقيد بحبال قوية في سجن الإهمال، فلا يخرج أبدا ً،
ويوصد عليه فلا يرى النور؛ لأنه مضى وانتهى، لا الحزن يعيده، لا الهم يصلحه،
والغم يصححه، لا الكدر يحييه؛ لأنه عدم، لاتعش في كابوس الماضي،
وتحت مظلة الفائت، أنقذ نفسك من شبح الماضي، أتريد أن تَرُدَّ النهر إلى مصبه،
والشمس إلى مطلعها، والطفل إلى بطن أمه، واللبن إلى الثدي، والدمعة إلى العين.
إن تفاعلك مع الماضي، وقلقك منه واحتراقَك بناره، وانطراحك على أعتابه،
وضعٌ مأساويٌّ رهيب مخيف مفزعٌ.
القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر، وتمزيق للجهد، ونسف للساعة الراهنة.
ذكر الله الأمم ومافعلت ثم قال: ( تِلْكَ أ ُ مَّة ٌ قَدْ خَلَتْ ) انتهى الأمر وقضي،
ولا طائل من التشريح جثة الزمان، وإعادة عجلة التاريخ.
إن الذي يعود للماضي، كالذي يطحن الطحين وهو مطحون أصلا ً، وكالذي ينشر نشارة الخشب.
وقديما ً قالوا لمن يبكي على الماضي: لا تخرج الأموات من قبورهم، وقد ذكر من يتحدث على ألسنة البهائم أنهم قالوا للحمار: لم لا تجتر؟ قال: اكره الكذب.
إن بلاءنا أننا نعجز عن حاضرنا ونشتغل بماضينا، نهمل قصورنا الجميلة،
ونندب الأطلال البالية، ولئن اجتمعت الإنس والجن على إعادة ما مضى لما استطاعوا؛ لأن هذا هو المحال بعينه.
إن الناس لا ينظرون إلى الوراء ولا يلتفتون إلى الخلف،
لأن الريح تتجه إلى الأمام، والماء ينحدر إلى الأمام، والقافله تسير إلى الأمام، فلا تخالف سنة ُ الحياة.
[align=center]
نقلته من كتاب لا تحزن
لعايض القرني
حمامة السلام[/align]