[align=center][tabletext="width:70%;background-color:black;"][cell="filter:;"][align=center]
طوبى لمن أنصف ربه
بيان حقيقة إنصاف المرء ربه
يقول الإمام ابن القيم في كتابه (الفوائد):
(طوبى لمن أنصف ربه، فأقر له بالجهل في علمه،
وبالآفات في عمله، وبالعيوب في نفسه)
وطوبى درجة عليا في الجنة.
1:الإقرار بالجهل في العلم
أنصف ربه فأقر له بالجهل في علمه:
كما كان ابن عطاء الله يدعو دائماً:
يا ربي! أنا الجهول في علمي،
فكيف لا أكون جهولاً في جهلي؟!
وأنا الفقير في غناي،
فكيف لا أكون فقيراً في فقري؟!
ولذلك قال لنا أهل العلم:
إن المسلم بطبيعته يتأدب مع الله عز وجل،
فعندما يشعر بالفقر يقول: يا غني أغنني،
وعندما يشعر بضعفه يقول: يا قادر يا ناصر انصرني،
ويا قوي قوني فإني ضعيف،
فوق يالله في رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي.
فمن أنصف ربه أقر له بالجهل في علمه؛
لأننا إن أقررنا بالجهل علمنا رب العباد،
كما روي في الأثر:
ما يزال الرجل يتعلم ويتعلم
فإن ظن أنه علم فقد جهل.
2:الإقرار بالآفات في العمل
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:
طوبى لمن أنصف ربه، فأقر له بالجهل في علمه
وبالآفات في عمله.
فحين أصلي لا أقول: أديت الذي علي،
بل أصلي وأخاف أن ترد علي الصلاة فلا تقبل؛
لأن مالي حرام، أو لأن القميص حرام،
أو لأن القلب مليء بالغل والحقد على الناس،
أو لأن الزوجة تخون زوجها في إخراج أسرار بيته،
أو أن الزوج يخون زوجته فينشر أسرارها،
أو لأن المصلي يخون الأمانة،
أو يخون الوظيفة فيأخذ ما ليس من حقه،
ثم يقف بين يدي الله ويقول:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5].
فأنا أصلي وأنا خائف ألا تقبل الصلاة،
وأقرأ القرآن وأخاف ألا يتقبل الله مني،
وعندي رجاء في القبول،
ولكن يجب علي أن أغلب الخوف على الرجاء،
فنحن في زمن غلّب فيه الناس جميعاً الرجاء على الخوف،
لأن الواحد منهم ينظر إلى من هو أقل منه في الدين، وينظر إلى من هو أفضل منه في الدنيا.
فإذا صلى الجمعة،
ثم خرج فرأى عظيماً بماله كبر في نفسه،
ولا ينظر إلى من يصوم الإثنين والخميس،
ولا ينظر إلى من يقوم الليل،
ولا ينظر إلى من يتقرب بالصدقة،
ولا ينظر إلى من يصل الرحم،
ولا ينظر إلى من يفعل الخير
أو يتوارى بين الناس تواضعاً وخجلاً.
فالإنسان يجب عليه أن يقر لله بالجهل في علمه،
وبالآفات في عمله.
وكان عمر بن الخطاب يقول:
اللهم إني أسألك من العمل أخلصه وأصوبه.
فيقولون: يا أمير المؤمنين! ما أخلصه وما أصوبه؟
فيقول: أخلصه ما كان لله عز وجل،
وأصوبه ما كان على الكتاب والسنة.
فلا يصح أن أخرج من البيت لأصلي ركعتين
عند قبر احد الصالحين،
فالصلاة هي عبادة، ولكنها هنا ليست لله عز وجل،
فاللازم علي وأنا أصلي أو أؤدي العمل
أن يكون العمل على منهج الكتاب والسنة،
وقد قال صلى الله عليه وسلم:
(لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم
وصالحيهم مساجد،
ألا إن صنعتم كما صنعوا لعنكم كما لعنهم).
وبعث علي بن أبي طالب على ألا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه، ولا صنماً إلا كسره.
3: الإقرار بالعيوب في النفس
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:
(طوبى لمن أنصف ربه، فأقر له بالجهل في علمه
وبالآفات في عمله،وبالعيوب في نفسه)،
فيقول: سوف أفرغ وقتي لإصلاح عيوبي
. ليس هناك امرؤ يقول: فيَّ عيب.
فكل يرى العيب في غيره، ولا يراه في نفسه.
إن اعتراف الإنسان أن به عيوبا
خطوة هامة في طريق الإصلاح
لأن الإعراض عن معرفة العيوب هو ضعف ونقص
وفقدان للشجاعة في مواجهة النفس،
بل هي إحدى صفات المعرضين عن رسل الله عز وجل
حيث قال تعالى: (فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ )
وإن مما يجعلك ترفض الاعتراف بالعيب:
الشعور بأنك قد بلغت مرحلة من الصلاح
لا تحتاج فيها إلى تذكير ونصح
لكثرة ما قرأت وعلمت في إصلاح النفوس،
وتطمئن إلى هذه المعرفة دون أن تقف مع نفسك
وقفة حازمة لترى هل تخلصت فعلا من الأخلاق الذميمة،
لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه المبشر بالجنة يقول:
رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي،
وكان يذهب إلى حذيفة
ليعرف هل هو من المنافقين أم لا،
وكان أحد تلاميذ سفيان الثوري
يدعو الله عز وجل ويقول:
اللهم عرفني نفسي.
وقال محمد بن كعب القرطي:
إذا أراد الله بعبد خيرا جعل فيه ثلاث خصال:
فقها في الدين، وزهادة في الدنيا، وبصرا بعيوبه.
ينبغي لمن يرجو زكاة نفسه وإصلاحها
أن يستعين بالله عز وجل دائما ويدعوه
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
في خطبة الحاجة:
((الحمد لله نستعينه ونستهديه
ونستغفره ونعوذ بالله من سيئات أنفسنا))
وكان صلى الله عليه وسلم
يسأل الله عز وجل أن يعيذه من جميع الصفات الذميمة،
فكان يقول في أذكار الصباح والمساء:
((رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر))،
((اللهم فاطر السماوات والأرض
عالم الغيب والشهادة
رب كل شيء ومليكه
أشهد أن لا إله إلا أنت
أعوذ بك من شر نفسي
ومن شر الشيطان وشركه))
في أمان الله
[/align][/cell][/tabletext][/align]