الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، وجعله نوراً هادياً وأقام به على العباد الحججا، من تمسك به اهتدى ومن هجره تخطفته أيدي الهلاك وضل في غياهب الردى .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد خير من قرأ القرآن وبينه بتلاوته المفسرة أتم بيان . وبعد ،،
فلا شك أن أفضل الأوقات وأسعد اللحظات هي التي يعيشها المرء مع كتاب ربه تعالى ، قراءة، وتدبرا، يقف عند عجائبه ، ويستفسر عن إعجازه وغرائبه ، فهو الكتاب المحكم الذي شهدت له الجن عندما سمعته قائلة: {إِنَّا سَمِعنَا قُرءَانًا عَجَبًا} الجن -1 ، وهو الكتاب الذي سطر لنا فيه التاريخ شهادة الوليد بن المغيرة حيث يقول عنه: (إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أ[****][****][****][****] لمغدق ، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه وإنه ليحطم ما تحته) !!
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه الماتع (الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان): (كتاب الله تعالى أشرف ما صرفت إليه الهمم وأعظم ما جال فيه فكر ومد به قلم؛ لأنه منبع كل علم وحكمة ومربع كل هدى ورحمة ، وهو أصل ما تنسك به المتنسكون وأقوى ما تمسك به المتمسكون).
ونتابع في هذه الحلقة ما بدأناه
(3) عطف الخاص على العام:
وهو أن يُذكر أمر عام على وجه الإجمال ثم يخص بالذكر بعض أفراده وكأنه ليس من جنس الأمر العام ، وذلك لبيان فضل الأمر الخاص وأهميته ومغايرته في الذات والوصف عن بقية أجزاء ذلك العام.
(أ) قال تعالى : {حَـافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَوةِ الوُسطَى}(البقرة- 238)
الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ، وهي من جملة الصلوات المأمور بالمحافظة عليها ، لكنه سبحانه عطفها وخصها بالذكر بيانا لأهميتها وشرفها وفضل المحافظة عليها ، فقد قال النبي [
من ترك صلاة العصر حبط عمله) رواه أحمد والبخاري .
(ب) قال تعالى:{وَلتَكُن مِّنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلَى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ}(آل عمران- 104)
فأمر الله عز وجل الأمة بالدعوة إلى الخير إجمالا ، ثم خص بالذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع أنه داخل في الدعوة إلى الخير ، وذلك لبيان أهمية هذه الشعيرة ومكانتها ، وأنها سبب الخيرية للأمة ووقايتها من الهلاك والذل ، وفيه أيضا تنبيه على أن هذه الشعيرة يهملها كثير من الناس ولا يؤديها ولا يحرص عليها ، لذلك ذكرها الله على وجه الخصوص تنبيها على هذه الحكم .
(ج) قال تعالى: {فِيهِمَا فَـاكِهَةٌ وَنَخلٌ وَرُمَّانٌ} (الرحمن- 68)
من نعيم الجنة (الفاكهة)إجمالا ، ولكنه خص (الرمان) بالذكر وهو من جملة الفاكهة للتشويق وبيان أن نوعه لا يمكن أن يخطر ببال أحد أو أنه من أفضل الفاكهة الموجودة في الجنة .
(د) قال تعالى: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَـائكتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبرِيلَ وَمِيكالَ } (البقرة – 98)
هذا تحذير من الله عز وجل لمن يعادي الملائكة وعلى وجه الخصوص جبريل وميكال لبيان فضلهما ومكانتهما عند الله عز وجل, فالأول موكل بالوحي الذي فيه حياة, القلوب والثاني موكل بالمطر والرزق الذي فيه حياة الأبدان .
مجلة الفرقان
العرض المتطور
