فوالله ما من حيلة أو تعلّةٍ *** تقدم إلا صغتها ببكائي
فأقسم دهري ما من الشيب مهربٌ *** ففاحم شعري أبيضٌ ككسائي
فقلت أعرني بردةً أستتر بها *** وإلا فزمّلْني بفضل ردائي
وأُبتُ إلى أفراخ عشي موشحاً *** بأبيض تخفيه برود حيائي
وقمنَ بنيّاتي يفدِّين منهكاً *** لكنَّ فؤادي اليوم خير فدائي
فقلنَ ودمع العين يذرف وابلاً *** بصدقٍ حنين عارمٍ ودعاءِ
عهدناك مثل الهندوانيِّ مصلتاً *** بحسن شبابٍ طامح ورواءِ
فكيف غزاك الشيب والعزم حاضرٌ *** وحزمك في الشّدّات خير وقاءِ
فقلت دعوني وابكيا لي هُنيهةً *** فراق شبابي أو فراق عزائي
لئن شاب رأسي والخطوب كثيرةٌ *** فما شاب في درب العلوم مضائي
وإن جللتني الحادثات ببردةٍ *** من الشيب أخفيه بصبغ طلائي
فما فل في ساح المكارم صارمي *** وما قل في نادي الجموع ثنائي
وما شاخ قلبي والدواهي صواعق *** وما خاب في رب العباد رجائي
فيا شيب ألبست الشباب مهابةً *** وأبليت في الإرشاد كل بلاءِ
جزى الله عني واعظ الشيب خير ما *** جزى ناصحاً من خيرة النصحاءِ
سلكت طريق الحب حتى إذا انتهى *** تعوضت حب الله كاشف دائي
وأهلاً وسهلاً بالبياض وإنما *** بياض بقاءٍ لا بياض فناءِ
ألم ترَ أنّ الشمس بيضاء فجةٌ *** وأنّ نجوم الليل نور سماءِ
ولا مرحباً يا أسود الشَّعَر إنه *** نذير جموحٍ لا بشير سناءِ
سواد كأن الليل يصبغ ثوبه *** عليه وسود النائبات ورائي
وما شبت من همٍّ لتثمير ثروة *** وكيف وكنز الوحي كل ثرائي
ولكن ليالٍ أرقب الفجر ساهراً *** كأني بها في حضرة الندماءِ
أرتل آياً أو أُحبّر قصةً *** وأنصتُ للنظّار والشعراءِ
سقى الله أيام الشبيبة وابلاً *** من الحب مجلواً بحسن وفاءِ
ورعياً لأيام الصبا كيف ودّعت *** وداع صدودٍ لا وداع لقاءِ
بكلٍ تساقينا الصبابات والنوى *** وفيها تقضَّتْ شدتي ورخائي