المجزرة الصامتة
فهد عامر الأحمدي
شيئان من ممارسات العصور القديمة لم ينقطعا في الهند.. الأول وجود طبقة اجتماعية منبوذة ومستعبدة.. والثاني «وأد البنات» والتخلص منهن سرًا!!
ففي المجتمع الهندوسي يوضع الناس فور ولادتهم ضمن أربع طبقات متمايزة.. أعلاها البراهمة (المخلوقون من رأس الآلهة) وأدناها المنبوذون (أو الشودو) الذين يمتهنون الأعمال الوضيعة ويعدون عبيدا لبقية الطبقات... أما وأد البنات فممارسة عريقة تتم بصمت وتواطؤ وتقضى في كل جيل على ملايين الفتيات الصغيرات (كما يثبت فرق الإحصائيات بين الجنسين)..
وقبل أيام فقط قالت صحيفة «تايمز أوف إنديا» أن محكمة ولاية هاريانا أصدرت حكما بالسجن على طبيب مشهور بتهمة «تحديد جنس الجنين». وهذا الإجراء يهدف الى اختيار جنس الوليد من خلال تلقيح بويضة المرأة بحيوان منوي منتقى طبيا (ذكري أو أنثوي). ورغم أن «تحديد جنس الجنين» يعد إجراء قانونيا ومتاحا في معظم دول العالم ، إلا أنه أصبح ممنوعا في معظم الولايات الهندية كونه يستخدم كوسيلة لاستثناء الإناث دون الذكور...
فالمجتمع الهندي يملك ثقافة عريقة تشجع على إنجاب المزيد من الصبيان - خصوصا في الأسر الريفية الفقيرة -. ورغم أن الهند لا تملك قانوناً للحد من الإنجاب (كما هي الحال في الصين مثلا) إلا ان الفقر والتقاليد يجعلان العائلات تفضل الذكور على الإناث.. فالذكر يعد سندا لأهله ومصدر دخل إضافي لعائلته وحين يتزوج تقوم زوجته بخدمة والديه.. أما البنت فتعد استنزافا لدخل العائلة وتعد تنشئتها بمثابة سقي لحقل الجار - بل وينتظر من والديها دفع مهرها وجهازها حين تصبح في سن الزواج - .. لهذا السبب تنتشر عمليات وأد البنات والتخلص منهن بطرق غير مباشرة في القرى والأرياف ، في حين تنتشر عيادات الاجهاض واختيار جنس الجنين في المدن والمراكز الحضرية!!
وأدت هذه الممارسة إلى «وأد» ملايين الفتيات الصغيرات والاخلال بنسبة الجنسين في أغلب الولايات (وإن كانت تلاحظ بنسبة أكبر في ولايات راجستان والبنجاب وهاريانا وأوتار براديش).. ففي ولاية راجستان مثلا توجد 600 أنثى فقط مقابل كل 1000 ذكر (وهذه النسبة لو طبقت على كامل الهند لأظهرت اختفاء اكثر من 400 مليون انثى). أما في نيودلهي فانخفض معدل الجنسين بنسبة 865 فتاه مقابل كل 1000 فتى - وكان يبلغ قبل عشر سنوات فقط 905 الى كل 1000!!
أما في عموم الهند فانخفضت نسبة الفتيات (تحت سن السادسة) بنسبة 962 في الألف (في عام 1981) ثم إلى 927 في الألف (عام 1991) ثم الى 927 في الألف (عام 2001).. وخلال السنوات العمرية التالية يرتفع معدل الخلل حتى تصل عند سن الخامسة والعشرين الى 865 انثى لكل 1000 ذكر!!
.. هذه الإحصائيات تؤكد تفاقم الظاهرة وليس انخفاضها كما كان يعتقد.. فسكان الأرياف مايزالون يئدون البنات بطرق سرية صامتة (كخنقهن أو إغراقهن فور ولادتهن أو تركهن وعدم علاجهن في سن متقدمة). أما سكان المدن فيلجأون الى طرق أكثر تطورا مثل التخصيب بالانابيب ، والتأكد من جنس النطفة ، وإزالة علقة الأنثى من الرحم...
وحاليا تضم مدن الهند أكبر نسبة عالمية من أجهزة الكشف فوق الصوتية (لدرجة يقدر عددها في نيودلهي وحدها ب 25 ألف جهاز). وبسبب توفر تقنيات طبية كهذه - تتيح التأكد من جنس الجنين - انخفضت نسبة ولادات الإناث حتى لدى العائلات الثرية وأفراد الطبقة المتعلمة!!
... هذه الحقيقة المؤلمة (التي تلاحظ في الصين أيضا بسبب قانون الطفل الواحد) تعني وأد واختفاء 135 مليون أنثى ضمن آخر جيل بدون أن يدري بهن أحد أو يسمع صراخهن أحد!!
الرياااااااااااااااااااض
|