أقبلَ الصَّغيرُ إلى أُمِّهِ فَرِحًا مُبتَسِمًا ، يقولُ لها : انظري ماذا فعلتُ يا أُمِّي : ) فدَفَعَتهُ بيدِها قائلَةً : ابتعِـد عَنِّي . فاختَفَت ابتسامَتُهُ ، وبدا عليهِ الحُزنُ مِن هذا الموقِف . *** يكُن يتوقَّعُ هذا الصغيرُ أن تكونَ هذه رَدَّةُ فِعلِ أُمِّهِ .
قلتُ لها : لا تنهريهِ ، وشَجِّعيه ولو بكلمةٍ طيِّبةٍ ، فما كان ينتظِرُ مِنكِ هذا . والحقيقةُ أنَّ كثيرًا مِنَ الناسِ يتعاملون مع مَن حولهم بهذه الطريقةِ ؛ فلا يقبلونَ منهم كلمةً ، ولا يشكرونَ لهم فِعلاً ، ولا يبتسِمونَ في وجوهِهم ، فإذا أقبلَ عليهم أحدٌ مُبتسِمًا ، عَبَسُوا في وجهِهِ ، وإذا قال كلمةً لم تُعجِبهم غضِبوا عليه ، ورُبَّما خاصَموه ولم يُكلِّموه ، بل قد تَجِدُ الواحِدَ منهم يتعامَلُ بنفسِ الطريقةِ هذه في بيتِهِ ، فلا يَلِينُ لأهلِهِ ، ولا يقولُ كلمةً طيبةً لأبنائِهِ ، ويرفعُ صوتَه عليهم لأتفهِ الأسباب ، ورُبَّما شَتَمَهم وضَرَبَهم .
ولم يكن هذا خُلُقَ النَّبِيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - مع أهلِهِ ولا مع أصحابِهِ ، بل حتى مع مَن حوله مِن الكُفَّارِ والمُنافقين وغيرِهم ، فقد كان - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - رفيقًا بهم ، ليِّنًا معهم ، ولم يكُن فظًّا ولا غليظًا ، فهو القائِلُ عنه رَبُّهُ سُبحانَهُ وتعالى : (( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )) القلم/4 .
• رِفْقُ المُسلِمِ بنَفسِهِ : فلا يُحَمِّلها المُسلِمُ ما لا تُطيقُ مِنَ العِباداتِ أو غيرها مِنَ الأعمال والأحمال . قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( اكلَفُوا مِنَ العملِ ما تُطيقون ، فإنَّ خيرَ العملِ أَدْوَمُهُ وإنْ قَلَّ ) صحيح الجامع .
ومِن رِفْقِ الإنسانِ بنَفسِهِ : أن يرفُقَ بجوارِحِهِ ؛ فلا يستخدمها في الحرام ، مِن غيبةٍ ونميمةٍ وكذبٍ وقَذفٍ بلسانِهِ ، أو سرقةٍ أو بَطشٍ أو قتلٍ بيدِه ، أو مُشاهدةٍ للمُحرَّماتِ في التلفاز والحاسوب وغيرهما بعينيه ، أو سماعٍ لِمَا حرَّمَ اللهُ بأُذُنَيْه ، أو مشيٍ إلى أماكن المعاصي والفُسُوقِ برِجلَيْه ، بل يفعلُ بجوارِحِهِ ما يُنقِذُه مِنَ النار ، وما يتقرَّبُ بهِ إلى اللهِ عَزَّ وجلَّ .
• رِفْقُ الزَّوجِ بزوجتِهِ وأولادِه : وقد كان نبيُّنا محمدٌ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – رفيقًا بزوجاتِهِ ، يسمعُ لَهُنَّ ، ويحترِمُ كلامَهنَّ ، ولا يُعَنِّفُ واحِدةً منهنَّ على خطأٍ بدَرَ منها دُونَ قَصدٍ .
فها هو – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - يسمعُ لزوجِهِ عائشة - رَضِيَ اللهُ عنها – وهِيَ تَقُصُّ عليهِ حديثَ الإحدى عشرةَ نِسوة دُونَ سأمٍ مِن كلامِها ، ودُونَ أن يُقاطِعَها ، أو يُغلِظَ لها القول .
كما كان - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – يتحمَّلُ ما يدورُ بين زوجاتِهِ من مواقف يكونُ سببها الغَيْرَة ، بل ويدعوا الواحدةَ منهنّ للاقتصاصِ مِنَ الأخرى إذا استدعى الأمرُ ذلك ، كما وقع بين عائشة وسَوْدَة رَضِيَ اللهُ عنهما .
وكان – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – رفيقًا بأبنائِهِ وبناتِهِ ، فقد دَمَعَت عيناهُ لموتِ ابنِهِ ، وكان يتلطَّفُ مع فاطمة ابنتِهِ ، ويَفرحُ بقُدومِها .
• رِفْقُ المُعلِّمِ بتلامِيذِه : فيُحسِنُ إليهم ، ولا يبخلُ عليهم بعِلمِهِ ، ويتلطَّفُ مع ضعيفِ التحصيلِ منهم ، ولا يُوَبِّخه أمام زُملائِهِ ، ويُشَجِّعُ النَّابِغَ منهم ، ويحترمُهم ولو خالفوه الرأيَ .
وقد كان النبيُّ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – يتلطَّفُ مع أصحابِهِ ، ويُعلِّمُهم بلا ضَجَر ، فهذا عبد الله بن مسعودٍ – رَضِيَ اللهُ عنه – يقول : ( عَلَّمَنِي رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - التَّشَهُّدَ ، كَفِّي بين كَفَّيْهِ ، كما يُعَلِّمُني السورةَ مِنَ القُرآن ... ) رواه مُسلم .
• الرِّفْقُ في تعليمِ الجاهِل : وذلك بالصَّبرِ عليه ، وعدم نَهره ، أو السُّخريةِ منه ، أو الاستهزاءِ به ، وقد كان هذا هَدْيَ نبيِّنا محمدٍ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – في تعليمِ الجاهل .
جاء رجلٌ إلى النبيِّ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - فقال : ( إنِّي لا أستطيعُ أن آخُذَ شيئًا مِنَ القُرآن ، فعَلِّمني ما يُجزئُني ، فقال : قُل : سُبحانَ الله ، والحمدُ لله ، ولا إله إلَّا الله ، واللهُ أكبر ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا بالله ) حَسَّنه الألبانيُّ .
وعن أبي هُريرةَ – رَضِيَ اللهُ عنه – ( أنَّ النبيَّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - دخل المَسجدَ ، فدخل رجلٌ فصلَّى ، ثُمَّ جاء فسَلَّمَ على الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ، فَرَدَّ النبيُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - عليه السَّلامُ ، فقال : ارجِع فصَلِّ ، فإنَّكَ لم تُصَلِّ . فصلَّى ، ثُمَّ جاء فسَلَّم على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ، فقال : ارجِع فصَلِّ ، فإنَّكَ لم تُصَلِّ ، ثلاثًا ، فقال : والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ ، فما أُحسِنُ غيرَهُ ، فعَلِّمنِي ، قال : إذا قُمتَ إلى الصلاةِ فكَبِّر ، واقرأ ما تيسَّر معكَ مِنَ القُرآن ، ثُمَّ اركع حتى تَطمئِنَّ راكِعًا ، ثُمَّ ارفع حتى تَعتدِلَ قائِمًا ، ثُمَّ اسجُد حتى تَطمئِنَّ ساجِدًا ، ثُمَّ ارفع حتى تَطمئِنَّ جالِسًا ، ثُمَّ اسجُد حتى تَطمئِنَّ ساجِدًا ، ثُمَّ افعل ذلك في صلاتِكَ كُلِّها ) مُتفقٌ عليه . • رِفْقُ الدَّاعيةِ بالمَدعُوُّيين : فلا يكونُ فظًّا
جافيًا في حديثِهِ ونُصحِه ، وقد قال رَبُّنا
– جَلَّ وعلا – لنبيِّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ
فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
آل عِمران/159 .
فلو أنَّ داعيةً بدأ يُرَهِّبُ الناسَ مِنَ النارِ ،
ويُعَنِّفُهم ، وينصحُهم بشِدَّةٍ وجفاء ، لرأيتَ
الناسَ عنه مُبتعدين ، ولنصائحِهِ غيرَ مُستمعين ،
بعكسِ مَن ألان لهم القولَ ، وبعد أن رَهَّبَهم مِنَ
النار رغَّبَهم في الجنةِ ، وما فيها مِنَ النعيم ،
ودعاهم إلى التوبةِ والرجوعِ إلى اللهِ بأسلوبٍ
لَيِّنٍ رقيق .
وقد قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( يَسِّروا
ولا تُعَسِّروا ، وبَشِّروا ولا تُنَفِّروا ) مُتفقٌ عليه .
وعن أبي هُريرة – رَضِيَ اللهُ عنه – قال : بال
أعرابيٌّ في المسجدِ ، فقام الناسُ إليه لِيَقعوا فيه ،
فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( دَعُوهُ وأريقوا
على بَوْلِهِ سَجْلاً مِن ماء ، أو ذَنُوبًا مِن ماء ، فإنَّما
بُعِثتُم مُيَسِّرين ، ولم تُبعَثوا مُعَسِّرين ) رواه البُخاريُّ .
• الرِّفْقُ بالخَدَم : بأنْ يُطعِمَهم المُسلِمُ مِمَّا يَطعَم ، ويُلبِسَهم مِمَّا يَلبس ، ولا يُعنّفهم ، ولا يزدريهم أو يتكبَّر عليهم ، أو يُكَلّفهم ما لا يُطيقونَ مِنَ الأعمال .
قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( إذا أتى أحدَكم خادِمُهُ بطعامه ، فإن لم يُجلِسه معه ، فليُناوله لُقمةً أو لُقمتين ، أو أكلةً أو أكلتين ... ) رواه البُخاريّ ، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( إخوانُكم خَوَلُكم ، جعلهم اللهُ تحت أيديكم ، فمَن كان أخوه تحت يده ، فليُطعمه مِمَّا يأكل ، وليُلبسه مِمَّا يَلبس ، ولا تُكَلِّفُوهم ما يَغلِبُهم ، فإن كَلَّفتموهم فأعينوهم ) مُتفقٌ عليه .
قال القاضي عِياض في ( مشارق الأنوار ) : " خَوَلكم - بفتح الواو - أي خَدَمُكم وعَبيدُكم الذين يتخوَّلون أموركم ، أي يُصلحونها ، ويتخوَّلونهم أي يُسَخِّرونهم " .
وقال أنسُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه : ( خدمتُ - النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - عَشرَ سِنين ، فما قال لي أُفٍّ قَط ، وما قال لي لشيءٍ لم أفعله : ألَا كُنتَ فعلتَه ؟ ولا لشيءٍ فعلتُه : لِمَ فعلتَه ؟ ) صَحَّحه الألبانيُّ .
• رِفْقُ الرئيسِ بمَرءوسيه : بألَّا يَشُقَّ عليهم ، ولا يتعالى عليهم بمَنصبه ، ولا يَحرمهم مِن مُستحَقَّاتِهم بدونِ سَبَبٍ واضِحٍ ، سواءٌ أكان رئيسَ دولةٍ ، أو مُديرَ مَصلحةٍ ، وقد قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( اللهم مَن وَلِيَ مِن أمرِ أُمَّتي شيئًا ، فشَقَّ عليهم ، فاشقُق عليه ، ومَن وَلِىَ مِن أمرِ أُمَّتي شيئًا ، فرَفَقَ بهم ، فارفُق به ) رواه مُسلم .
[quote="فارس";1584087][color=navy]"ذوق الحنان" جميل ... هو الرفق ... في كل ... شي .. حتى .. وان تذبح الشاه ترفق بها [/color]
[color=navy]طرح قيم .. جزاكي الله الجنه[/color][/quote]
[size="5"]
اللهم امين وياك يارب العالمين
وجزاك الله خير الجزاء
علي طيب المرور الراقي