... عندما تكون الرغبة طريقاً للضياع ...
غادر صالح بيت والده ليعيش بمفرده لأول مره في حياته بعد ان التحق بعمل حكومي في
ا لمنطقة الشرقية بشهادة الكفاءة المتوسطة ، أمضى صالح قرابة السنتين في عمله كان
خلالها يزور أهله في العطل الرسمية ، وفي أثناء ذالك كان يتابع دراسته الثانوية .
وبعد تخطيه السنة الأولى من المرحلة الثانوية انتقل إلى مدينة جدة ، وهناك اضطر ان
ينزل في مسكن جماعي خصص للعزاب بحكم عمله ، كان عمره آنذاك لايتجاوز التاسعة
عشر من العمر ، وفي احد الليالي كان زملاء صالح في السكن الجماعي مجتمعين
يتعاطون الحشيش ، كان شيئا حديثا بالنسبة لصالح .. فلم يكن يدور بذهنه ان مايتعاطونه
هو نوع من أنواع السجاير المستورد .. الذي لم يره من قبل ومع مرور الأيام كثرت
الجلسات وازداد عدد روادها ، كان سؤالا يلح على صالح باستمرار ويتشوق لمعرفة
إجابته ، كان يسأل نفسه عن ماهية هذه السجائر التي كثر زبائنها .. ومع كثرة التساؤل
ازدادت رغبته في اكتشاف هذا السر .. الذي كان يظنه سرا غريبا .. حتى انه لم يستطع
كبح جماح رغبته حب الاستطلاع فتوجه بسؤاله إلى زملائه وذات ليلة مشؤمة .
قال صالح متسائلا : ماهذا الذي تتناولونه ؟؟.
قال احدهم : انه حشيش .
ومالفائدة منه سأل صالح بإستغراب ؟!!.
أجابه بقوله : انه يريح الأعصاب ويهب السعادة .. وكما ترى إننا نتناوله ببساطة ..
نمت الرغبة بشكل اخطبوطي في نفس صالح فأحب ان يحيل الرغبة إلى تجربة حقيقية
ليعيشها بنفسه .
كان يحدث نفسه قائلا : ولمالا أجرب مثلهم وقد جربوا قبلي ولم يحدث لهم
أي شيء .. ولم يكن يعلم انه يقود نفسه إلى طريق الضياع المظلم ، ويحكم على نفسه
بالذل و الإهانة ويستنزف صحته .. ويسعى إلى تدمير مستقبله بيديه .
ولم يخال انه بتناوله الحشيش لمرة واحدة فقط .. ستجذبه لتناوله عدة مرات .. ومن ثم
سيقع في كهفه المظلم الذي سيظل يتخبط فيه باحثا عن وسيلة تقوده للخروج منه فلا
يستطيع ذالك .
أدمن صالح الحشيش بالتدريج دون أن يدرك ذالك ، فقد كانت قوة الرغبة والتجربة بمثابة
الغشاوة التي تحجب عن عينيه رؤية الخطر المحدق به .. أصبح البحث عن الحشيش و
مروجيه شغله الشاغل ، أهمل دراسته وعمله وأصبح لا يحسن القيام بأي عمل من
الأعمال إذا لم يأخذ حشيشا فيتأزم نفسيا وجسديا وفكريا .
استمر على إدمانه ثلاث سنوات حتى اكتشفته والدته ذات ليلة بعد ملاحظة تصرفاته
الغريبة ورؤية آثار الإدمان عليه .. وقد وجدت بعض الحشيش في أشيائه الخاصة مما
أكد ظنونها فراحت توجه له النصح قائلة :
والأسى يقطر من صوتها .. اسمع يابني ياصالح أنت تعرف انك فلذة كبدي ونور عيني و
اغلي ماعندي في هذه الدنيا .. مايسؤك يسؤني ومايسعدك يسعدني إن رايتك مرتاحا
ارتحت أنا ونسيت كل آلامي وان رايتك متعبا أو حزينا نسيت راحتي وتحول فرحي
إلى حزن وقلق وخوف عليك وقد اكتشفت اليوم مع الأسف الشديد انك وقعت في مصيدة
الإدمان الذي هو أعظم بلاء ابتلى به الناس في هذا العصر ، وهو آفة المجتمع وداء
الموت الذي لايرحم .. انه يابني يظهر للشباب على انه عسل شاف ، وصديق وفي
ودواء ناجح وراحة سحرية حتى إذا ماقدم الإنسان على تجربته مرة واحدة جذبه إليه في
وحشية وقسوة واخذ يظهر له الحنو تارة والمتعة تارة أخرى ، فإذا طوقه من جميع
الجهات ، نشر سمومه في جميع أجزاء جسمه .. دون رحمة أو شفقة .. انه يابني طاعون
العصر الذي لاينجو منه إلا من عرف ربه وحفظه فعليك أن تسمع نصحي وتخشى الله
في وفي نفسك وتثوب إلى رشدك وتحاول من هذه اللحظة تركه .. ثم بكت بلوعة وحسرة
كما لم تكن قد بكت في عمرها .
قال ابنها والدموع تتراقص في عينيه وقد تأثر بحديثها ونصيحتها الغالية :
أعاهدك ياامي أن اتركه في أسرع وقت ممكن .
قالت : أتمنى أن تكون صادقا في عهدك وأحذرك من الكذب علي وان لاحظت انك لم
توف بعهدك فلن أتوانى عن إخبار والدك بالأمر وأنت تعرف والدك جيدا .
حاول صالح ترك الحشيش ولم يستطع واستمر على إدمانه تسع سنوات كان خلالها
يتناوله في خفية وسرية تامة حتى تطور إدمانه إلى الهيروين أدمنه ولم يعد يعش بدونه
فكان دائم البحث عن مروجيه في أماكن مختلفة .
وحينما تلبسته الأمراض المستعصية نصحه بعض زملائه بالذهاب لمستشفى الأمل
للعلاج .. أدرك صالح بعد فوات الأوان أن العلاج والتوبة هما الطريق الوحيد للخلاص
من أمراضه المتعددة ومن حياة البؤس والشقاء الذي يعيشها وبالفعل طلب إجازة من
عمله واتجه إلى المستشفى والتوبة في قلبه وأمل الشفاء يداعبه .
هذه القصة منقولة من :
كتاب المصيدة .
للكاتبة : بهية عبد الرحمن ابوسبيت .
تحياااااااتي لكم
(( همسة حلا ))
العرض العادي
