الصعاليك جمع صعلوك وهو لغة ٌ :الفقير الذي لا مال له ولا اعتماد والشعراء الصعاليك جماعة من شذاذ العرب ، كانوا يغيرون على البدو والحضر في الجاهلية فيشرعون في النهب والتخريب ثم يمضون في القفار فلا تدركهم الخيل متكلين على سرعة عدوهم وعلى معرفتهم بمجازات المغاور المهلكة التي كانوا يخبئون فيها الماء محفوظاً في بيض النعام ! حتى إذا اطمأنوا إلى أسلابهم نظموا مآتيهم شعراً يتصف بالطبعيّة وصدق العاطفة ، والحملة على ما يظهر في أخلاق المجتمع من تواكل ورياء . . .
وقد كان من هؤلاء الصعاليك من عرفوا بسواد لونهم فسمّوا (( أغربة العرب )) – أي جمع غراب – كالشّنفرى وتأبط شراً والسُليك بن السُلكة ،ومنهم من خلعتهم قبائلهم خشية من تبعة أعمالهم فسُمُّوا (( الخلعاء )).
وتفصيل ذلك أن شيوخ القبيلة إذا خافوا أعمال أحد الأفراد أشهدوا العرب على أنفسهم في سوق عكاظ أو في غيرها من المحافل بخلعهم إياه فلا يتحملون تبعة أعماله ، ولهذا رأينا الشنفرى يميل إلى الابتعاد عن أهله فيفضّل عليهم الحيوانات الضارية .
وأشهر الصعاليك في الجاهلية الشنفرى ، تأبط شراً ، عروة بن الورد الذي كان يجمعهم ويغزو بهم ويسهر على حاجتهم وسمي (( عروة الصعاليك )) ...
الشنفرى ( أوائل القرن السادس للميلاد ) :-
يُرجَّح أن الشنفرى لقبٌ لشاعرنا هذا ، لُقب به لعظم شفتيه ، وأن أسمه ثابت بن أوس الازدي وهو من اليمن وقد نشأ في بني سلامان مستعبداً ، حتى بلغ وأدرك ، فانفصل عنهم وأقسم أن يقتل منهم مائة رجل انتقاماً فكان يترصد الواحد منهم إلى أن يمر أمامه فيرميه بسهمه ، وقد نشأت في معرض ذلك أسطورة مفادها أن الشنفرى بعد أن يقتل تسعة وتسعين من أعدائه يرصده هؤلاء على بئر ماء فيمسكونه ويقتلونه ويرمون جمجمته احتقارا وتظل الجمجمة معروضة إلى أن يمر بها رجل منهم فيرفسها ازدراء فتنشب برجله شظية عظم فتجرحه فيموت وهكذا ويصبح عدد القتلى مئة ويبرّ الشنفرى بقسمه ميتاً ..
أما طرق معيشته فكانت تنحصر بالسلب والنهب والتلصص بخفة ورشاقة ، شأنه في ذلك شأن سائر الصعاليك العدائين من الشعراء يغيرون في الليل على الأحياء المطمئنة فيروعون النساء والأطفال ويبلبلون عقول الرجال حتى إذا خافوا أن تدركهم الخيل اتجهوا نحو الجبال العاصية والأودية الوعرة فتغلغلوا فيها ثم خّلدوا هذه المآتي في قصائد دقيقة التصوير حيّة الوصف ، طبعية العاطفة وهي صورة صادقة لتلك الحياة الفطرية المتشردة .
ويُنسب إلى الشنفرى مقطعات شعرية متفرقة أشهرها قصيدة طويلة عرفت باسم (لامية العرب)
وقد نالت شهرة واسعة حتى جاء الحديث :" علموا أولادكم لامية العرب فإنها تعلمهم مكارم الأخلاق " ..
والقصيدة مثال صادق للشعر الجاهلي القديم وصورة واضحة عن حياة الصعلوك المنفصل عن قومه ، الضارب في المفاوز الموحشة والمستأنس بعشرة الحيوان الضاري ، المستغني عن معونة البشر بقلبه وسيفه وقوسه . وفي القصيدة وصف للقوة الجسدية والغارات الليلية التي يرجع منها بالغنائم الوفيرة والصيت البعيد وهذه أبيات مقتطفه من " لامية العرب " : -
أقيموا بــني أُمــي صــدور مَـطِيِّكـم ،،،،، فــــإني إلى قــومٍ سواكُـم لأميلُ
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ،،،،، وفيها لمن خــاف القِلى متعــزَّلُ
ثـلاثـة أصـحـابً : فــؤادٌ مُـــشَّــيـعً ،،،،، وأبيض أصيلتٌ وصفراءُ عيطّلُ
وليلة نحسٍ يصطلي القوس ربُّــــها ،،،،، واقـــطعه اللاتي بها يـــتـــنبــَّلُ
دعَستُ على غطش وبغش وصُحبتي ،،،،، سـعــار وإرزيزٌ ووجــرُ وأفـكلُ
فأيــمــت نـســوانـــا وأيــتــمت ولدة ،،،،، وعــدت كـــما أبدأت والليل أليل
1-المطيّ : جمع مطية أي ما يُركب من الدواب : يخاطب الشنفرى قومه فيدفعهم إلى الرحيل والابتعاد عنه أما هو فطلب صحبة غيرهم .
2-المنأى : المنزل البعيد ، القِلى : البغض ، التعزل :الانفراد . الكريم يجد في الأرض سكنى بعيدة إذا أصيب بأذى وكذلك إذا خاف البغض يجد مكانا يعتزل به عن مبغضيه.
3-يقول الشاعر إن ثلاثة أشياء تغنيني عن فقد من لم يكافئوني بخير وليس في صحبتهم نفع والثلاثة هي : فؤاد مشيع : أي شجاع مقدام ، وأبيض إصيلت : سيف صقيل ومجرد ، وصفراء عيطل : قوس صفراء طويلة العنق .
4-النحس : ضد السعد ، والمراد ليلة مظلمة ، أقطعه : جمع قطع أي النصل العريض والقصير والمراد السهم ، ينبل : يتخذ نبلاً ليرمى به .
5-الغطش : الظلمة ، البغش : المطر الخفيف ، السعار : شدة الجوع ، الارزيز : البرد ، الوجر: الخوف ، الافكل : الرعدة . يقول في البيتين السابقين : كم من ليلة شديدة البرد يلقي في النار صاحب القوس بقوسه ونبله ليستدفئ ،سريتُ داخل الظلمة والمطر يصحبني جوع شديد وبرد وخوف ورعدة .
6-أيمت نسوانا : تركتهم أيامي – جمع أيم – والأيم هي المرأة التي لا زوج لها الأرملة ، الأليل : الشديد الظلمة .