أكتب لكِ الآن، لا لأن الحروف تحمل ما أريد قوله كاملاً، بل لأن الصمت صار أثقل من أن أتحمله وحدي. فيكِ شيء يشبه القصيدة التي لا تنتهي، حضوركِ فكرة تتجدد مع كل شروق، وكأنكِ وعدٌ بأن للحياة وجهًا آخر، أجمل وأصدق.
أتعلمين؟ كلما هممت أن أنساكِ، وجدتكِ تعودين في أبسط الأشياء. في نسمة هواء عابرة، في بريق عين غريب، في عطركِ الذي لا يزال يتسلل إليّ كأغنية قديمة حفظها القلب عن ظهر قلب.
لو كان في وسع الكلمات أن تحتضنكِ، لجعلتُها جسراً من النور بيني وبينكِ. لكنني أكتب لأن الكتابة هي الشكل الوحيد للحب الذي لا يخضع للزمن.
ابقِ في عالمي كما أنتِ… سرًّا جميلاً أعيشه، ونبضًا أسمعه حين أكون وحدي.
أكتب لكِ بكلماتٍ تليق بأنوثتكِ التي تعيد ترتيب فوضى الكون، وبصوتٍ يشبه ارتجافة الوردة حين يلامسها الفجر لأول مرة.
أكتب لكِ لأنكِ اللغة التي لم تُنطق بعد، والنص الذي يأبى أن يُكتب، والقصيدة التي يعجز الشعراء عن وصفها.
هل تعلمين؟ كل مرة أراكِ فيها، أشعر كأن العالم ينهار ليتسع لعينيكِ.
أنتِ الحكاية التي لا تنتهي، والصفحة التي تُطوى لتُفتح من جديد، واللحن الذي لا يُعزف إلا على وتر الروح.
يا من تلوّنين صمت الأيام، وتزرعين الحياة في زوايا الحزن، كيف أكتبكِ دون أن أضيع؟ كيف أصفكِ دون أن أخشى أن الكلمات ستخذلني؟
أنتِ سندي من الانكسار، ظلي حين تعصف بي الوحدة، وضحكتكِ هي السحر الذي يجعل الرماد يتوهج كأنه جمرة أبدية.
أحببتُكِ لأنكِ تسيرين في عالمي كأنكِ تعرفينه أكثر مني، وتفهمين الصمت الذي أختبئ فيه.
في بريد الحب هذا، أودعكِ حروفي، علّها تبلغكِ مثل طيف خفيف يعانق وجنتيكِ دون أن يوقظكِ. وأعلم أنكِ لن تقرئيها كما يقرأها الآخرون، بل ستسمعين نبضها، وتشعرين بحرارتها، لأنكِ الوحيدة التي تجيد الإصغاء لما بين السطور.
كوني كما أنتِ، قصيدةً تُحكى بلا نهاية، وسرًّا يأبى أن يُكشف، وحُلمًا يأبى أن يصحو منه العاشقون.
من قلبٍ لا يعرف النسيان،
الذي كتبكِ ألف مرة، وفي كل مرة أحبكِ أكثر.
إليكِ،
أنتِ التي لا يكتمل الحرف إلا بذكراكِ، ولا تشرق الكلمات إلا حينما تلوّح صورتكِ بين السطور.
في غيابكِ، تصبح الحروف يتيمة، تبحث عن مأوى في دفء حضوركِ. وإن عاد الحرف يهمس باسمكِ، فهو دليل على أن الغياب لا ينتصر على من تسكن أرواحنا.
أكتب لأخفف عن قلبي حملاً من الشوق لا يعرف حدوداً.
كل كلمة أكتبها هي بريدٌ أرسله لعينيكِ…
بريد الحب، هو تلك الكلمات التي يُرسلها الفؤاد عند غياب الجسد، هي الهمسات التي تلامس الأذواق من بعيد، وتداعب الأحاسيس قبل أن تترجم إلى كلمات. إنها لحظات من الاشتياق تكتب سطورها في الفضاء، تصل إلينا حيث لا مكان ولا زمان، بل هو قلب يشبع من العشق بلا حدود..
إليكِ في بريد الحب، رسالة لا تحمل سوى الصدق الذي لا تستطيع الكلمات أن تعبر عنه بالكامل، لكنني سأحاول:
أنتِ، يا من أخذتِ مكانًا في القلب دون أن تعيشي فيه، يا من جعلتِ من غيابك حضورًا في كل لحظة، لم أكن أعتقد أن هناك لحظات يمكن أن تُنسج من الغياب، لكنكِ علمتِني أن الغياب قد يكون حافزًا للحب، وأنه قد يتحول إلى حضن دافئ نشتاق إليه أكثر كل يوم.
رسالتي إليكِ، لا تُكتب على ورق أو بمداد، بل هي محكومة بنبضات قلبي التي تشق طريقها إليكِ عبر الزمن. كلماتها ليست سوى أطياف تلمع في السماء، كل واحدة منها تمثل لحظة أمضيناها معًا، وكل نبضة في قلبي تحمل ذكرى تزداد في العمق مع كل يوم يمضي.
ما أتمناه، وما أتمناه فقط، هو أن تبقي قريبة من تلك الذكريات التي رسمتها معكِ، مهما ابتعدت الأيام وتلاشت المسافات. لأنه في قلبكِ، وجدت معنى للوجود الذي لا يعوضه شيء آخر.
رسالة مختومة بالنبض، مغلّفة بالحنين، محمّلة بكل ما عجزتُ عن قوله.
هل تعلم أنني أكتب إليك كل يوم، دون أن أرسل؟ أخشى أن تصل الكلمات باردة، بعد أن احترقت بداخلي طويلًا.
أخبرني، هل ما زالت رسائلي تصلك عبر الصمت؟ هل ما زلتَ تقرأني في غياب الحروف؟