العودة   منتديات بعد حيي > المــــنتديات العــــامه > منتدى نَفُحـــــآتّ إسٌلامٌيهّ
 
 
 
 
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-01-2011, 01:57 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو

مراقب عام

 
الصورة الرمزية امير السعوديه
 

 

 
إحصائية العضو







اخر مواضيعي
 

امير السعوديه غير متصل


منبر الجمعـــــــــه


مُوَاجَهَةُ الْمِحَنِ وَالْفِتَنِ بِالتَّوَكُّلِ
27/4/1432
الْحَمْدُ لله الْقَوِيِّ الْقَهَّارِ العَزِيزِ الْجَبَّارِ؛ مَنْ خَضَعَ لَهُ أَعَزَّهُ، وَمَنِ اتَّقَاهُ وَقَاهُ، وَمَنْ أَطَاعَهُ أَنْجَاهُ، وَمَنْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ أَرْضَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، وَمَنْ سَأَلَهُ أَعْطَاهُ، وَمَنْ أَقْرَضَهُ قَضَاهُ، وَمَنْ شَكَرَهُ جَازَاهُ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الْشَّاكِرِيْنَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ المُذْنِبِيْنَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيْمِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ [ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوْهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيْلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيْفُ الْخَبِيْرُ] {الْأَنْعَامِ:102-103} وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ؛ تَحَزَّبَتْ لِحَرْبِهِ الْأَحْزَابُ، وَغَدَرَ بِهِ المُنَافِقُوْنَ، وَكَادَ لَهُ الْيَهُوْدُ؛ فَكَفَاهُ اللهُ تَعَالَى وَأَعَزَّهُ وَالمُؤْمِنِيْنَ، بِتَوَكُّلِهِ وَتُوَكُّلِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ [الَّذِيْنَ قَالَ لَهُمُ الْنَّاسُ إِنَّ الْنَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيْمَانَاً وَقَالُوْا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوَءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ الله وَاللهُ ذُوْ فَضْلٍ عَظِيْمٍ] {آَلِ عِمْرَانَ:174} صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الْدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا الله تَعَالَى وَأَطِيْعُوْهُ، وَأَقِيْمُوْا لَهُ دِيْنَكُمْ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَعَلِّقُوا بِهِ قُلُوْبَكُمْ؛ فَلَا مَفَرَّ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا خَلَاصَ مِنَ المَكَارِهِ إِلَّا بِدُعَائِهِ، وَلَا ثَبَاتَ عَلَى الْحَقِّ إِلَّا بِتَثْبِيتِهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لِلْعِبَادِ إِلَّا بِهِ [وَأَطِيْعُوْا اللهَ وَأَطِيْعُوا الْرَّسُوْلَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُوْلِنَا الْبَلَاغُ المُبِيْنُ * اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُوْنَ] {التَّغَابُنِ:12-13}.
أَيُّهَا الْنَّاسُ: حِيْنَ تَنْزِلُ بِالْعَبْدِ كُرْبَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَهْنَأُ بِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ وَلَا مَنَامٍ، حَتَّى يَسْعَى فِيْ كَشْفِهَا، وَيَلْجَأُ إِلَى مَنْ يُعِيْنُهُ عَلَيْهَا، قَالَ لُوْطٌ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ لمَّا أَحَاطَ بِهِ قَوْمُهُ يُرِيْدُوْنَ الْاعْتِدَاءَ عَلَى أَضْيَافِهِ عَلَيْهِمُ الْسَّلَامُ [لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيْدٍ] {هُوْدٍ:80} فَقَالَ الْنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يَرْحَمُ اللهُ لُوْطَاً لَقَدْ كَانَ يَأْوِيْ إِلَى رُكْنٍ شَدِيْدٍ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. أَرَادَ رُكْنَ الله تَعَالَىْ الَّذِيْ مَنْ لَاذَ بِهِ فَلَنْ يَخِيبَ، وَقَدْ لَاذَ بِهِ لُوْطٌ وَالمُرْسَلُوْنَ عَلَيْهِمُ الْسَّلَامُ؛ فَأَنْجَاهُمُ اللهُ تَعَالَى وَأَهْلَكَ المُكَذِّبِيْنَ.
إِنَّ الْدُّنْيَا دَارُ ابْتِلاءٍ لِلْعِبَادِ، وَهُوَ ابْتِلَاءٌ بِالْسَّرَّاءِ وَبِالضَّرَاءِ [وَنَبْلُوكُمْ بِالْشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُوْنَ] {الْأَنْبِيَاءِ:35} وَهَذِهِ الِابْتِلاءَاتُ مِنْهَا مَا يَخُصُّ الْفَرْدَ كَالْفَقْرِ وَالمَرَضِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ وَنَحْوِهِ، وَمِنْهَا ابْتِلاءَاتٌ جَمَاعِيَّةٌ تُصِيْبُ مُدُنَاً، أَوْ تَتَّسِعُ فَتَشْمَلُ دُوَلَاً، أَوْ تَكُوْنُ أَوْسَعَ فَتَعُمُّ أُمَّةً كَامِلَةً.
وَهِيَ بِاعْتِبَارِ مَصْدَرِهَا تَكُوْنُ أَقْدَارَاً مَحْضَةً لَيْسَ لِلْبَشَرِ فِيْهَا يَدٌ وَإِنْ كَانَتْ ذُنُوْبُهُمْ سَبَبَهَا كَالزَّلَازِلِ وَالْبَرَاكِيْنِ وَالْفَيَاضَانِ وَنَحْوِهَا، وَمِنْهَا مَا يَكُوْنُ مِنْ ظُلْمِ الْبَشَرِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ كَالتَجْويِعِ وَالْإِفْقَارِ وَالْكَسَادِ وَالِاحْتِكَارِ وَالْحُرُوْبِ وَنَحْوِهَا..
وَهَذِهِ الْشَّدَائِدُ وَالِابْتِلاءَاتُ تَتَكَاثَرُ وَتَتَعَاظَمُ عَلَى المُؤْمِنِيْنَ كُلَّمَا تَقَدَّمَ بِهِمْ الْزَّمَنُ؛ إِذْ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ فِيْ هَذَا الشَّأْنِ أَنَّهُ:«مَا مِنْ عَامٍ إِلَّا الَّذِيْ بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ الْنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
وَيُلَاحَظُ فِيْ ابْتِلاءَاتِ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَشَدَائِدِهَا: عُمُوْمُهَا وَتَتَابُعُهَا وتَسَارُعُهَا؛ فَهِيَ ابْتِلاءَاتٌ عَامَّةٌ تَشْمَلُ بَشَرَاً كَثِيْرَاً، وَتُحْدِثُ فِي الْنَّاسِ تَغْيِيرَاً كَبِيْرَاً؛ وَيَقَعُ مِنْ جِرَائِهَا هَلَاكٌ ذَرِيعٌ، وَإِفْقَارٌ وَتَشْرِيدٌ.. يَفْقِدُ المَنْكُوبُونَ فِيْهَا أَمْوَالَهُمْ كُلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا، وَيُلَازِمُهُمْ خَوْفٌ شَدِيْدٌ، وَيَنْتُجُ عَنْهَا مَصَائِبُ عِدَّةٌ، يَعْجِزُ الْأَقْوِيَاءُ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَكَيْفَ بِهَا كُلِّهَا؟!
وَلمَّا تَكَرَّرَتْ هَذِهِ الْشَّدَائِدُ فِيْ عَدَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ، صَارَ مَنْ سَلِمُوا مِنْهَا يَخَافُوْنَ امْتِدَادَهَا إِلَيْهِمْ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ إِخْبَارِ عُلَمَاءِ الْأَرْضِ وَالمُنَاخِ وَرَاصِدِي الْكَوْارِثِ الْكَوْنِيَّةِ أَنَّهَا تَزْدَادُ وَتَكُوْنُ أَكْثَرَ عُنْفَاً وَقُوَّةً، وَتَوَاطَأَ مَعَهُمْ عُلَمَاءُ الاجْتِمَاعِ السِّيَاسِيِّ وَمُسْتَشْرِفُو المُسْتَقْبَلِ أَنَّ الْأَيَّامَ المُقْبِلَةَ سَتَشْهَدُ تَغَيُّرَاتٍ وَتَحَوُّلَاتٍ فِيْ مَجَالَاتِ الْاقْتِصَادِ وَالْسِّيَاسَةِ وَتَركِيبَةِ الْدُّوَلِ.. وَلَا لَوْمَ عَلَى الْنَّاسِ حِيْنَ يَخَافُوْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَدِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، ويُقْلِقُهُمْ الْتَّفْكِيْرُ فِيْمَا تُخْفِيْهِ الْأَيَّامُ لَهُمْ؛ فَإِنَّ هَنَاءَ الْعَيشِ فِيْ دَوَامِ الِاسْتِقْرَارِ، كَمَا أَنَّ كَدَرَهُ وَعَذَابَهُ فِيْ حُدُوْثِ الاضْطِرَابِ.. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ لِلْمُؤْمِنِ مَلْجَأً يَلْجَأُ إِلَيْهِ، إِنْ عَاذَ بِهِ فَهُوَ مَعَاذُهُ، وَإِنْ لَزِمَهُ فَهُوَ مَلَاذُهُ، وَلَهُ حِصْنٌ مِنَ الْحِمَايَةِ إِنْ اسْتَطَاعَ الْتَّتَرُّسَ بِهِ أَمِنْتَ نَفْسُهُ، وَاطْمَأَنَّ قَلْبُهُ، وَلَوْ رَأَى الْنَّاسَ يُتَخَطَّفُونَ مِنْ حَوْلِهِ.. إِنَّهُ بَابُ التَّوَكُّلِ عَلَى الله تَعَالَى.. حِيْنَ يَنْعَقِدُ قَلْبُ الْعَبْدِ عَلَى الإِيْمَانِ وَالْيَقِيْنِ، وَيُمْلَأُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى الله تَعَالَى، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِسَبَبٍ مَهْمَا كَانَ، وَلَا يَرْجُو غَيْرَ الله تَعَالَى، وَلَا يَخَافُ سِوَاهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَقَعُ فَهُوَ بِقَدَرِهِ سُبْحَانَهُ، وَأَنَّ الْجَمِيْعَ تَحْتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَاضِعُوْنَ لِحُكْمِهِ وَأَمْرِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.. حِيْنَهَا فَقَطْ تَسْتَرْوِحُ نَفْسُهُ، وَيَهْدَأُ بِالُهُ، وَيَنْشَرِحُ صَدْرُهُ، وَيَطْمَئِنُّ قَلْبُهُ, وَلَا يَخْشَى أَحَدَاً، وَلَا يَخَافُ حَدَثَاً، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ فِيْ المُؤْمِنِيْنَ [كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ] {مُحَمَّدٍ:2} «وَمَتَىْ صَلَحَ الْبَالُ اسْتَقَامَ الْشُّعُوْرُ وَالْتَّفْكِيرُ، وَاطْمَأَنَّ الْقَلْبُ وَالْضَّمِيرُ، وَارْتَاحَتِ المَشَاعِرُ وَالْأَعْصَابُ، وَرَضِيَتِ الْنَّفْسُ وَاسْتَمْتَعْتَ بِالْأَمْنِ وَالْسَّلامِ»..
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىْ:«وَلَوْ تَوَكَّلَ الْعَبْدُ عَلَى الله حَقَّ تَوَكُّلِهِ فِيْ إِزَالَةِ جَبَلٍ عَنْ مَكَانِهِ وَكَانَ مَأْمُوْرَاً بِإِزَالَتِهِ لَأَزَالَهُ».
لَقَدْ تَسَلَّحَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى الله تَعَالَى الْأَنْبِيَاءُ فِي كُلِّ نَائِبَةٍ أَصَابَتْهُمْ، وَفِيْ كُلِّ مُلِمَّةٍ أَحَاطَتْ بِهِمْ.. جَعَلُوْهُ عُدَّتَهُمْ فِيْ الْشَّدَائِدِ، وَاتَّخَذُوهُ سِلَاحَاً ضَدَّ أَهْلِ المَكَائِدِ؛ اجْتَمَعَ قَوْمُ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ، وَأَضْرَمُوا نَارَاً لِيُحَرِّقُوهُ بِهَا، فَنُجِّيَ مِنْهَا بِتَوَكُّلِهِ عَلَى الله تَعَالَى. وَتَحَزَّبَتِ الْأَحْزَابُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَخَذَلَهُمْ اللهُ تَعَالَى بِتَوَكُّلِهِ عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:«[حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ] قَالَهَا إِبْرَاهِيْمُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ حِيْنَ أُلْقِىَ فِي الْنَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حِيْنَ قَالُوْا [إِنَّ الْنَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيْمَانَاً وَقَالُوْا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ] {آَلِ عِمْرَانَ:173} »رَوَاهُ الْشَّيْخَانِ.
وَحِيْنَ طُورِدَ مُوْسَى وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ، وحُوصِرُوا وَخَافُوا الْهَلَاكَ؛ فَفِرْعَوْنُ وَجُنْدُهُ وَرَاءَهُمْ، وَالْبَحْرُ أَمَامَهُمْ؛ كَانَ تَوَكَّلُ الْكَلِيْمِ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ عَلَى رَبِّهِ مُسْعِفَاً لَهُمْ، وَسَبَبَاً فِي زَوَالِ كَرْبِهِم، وَإِنْقَاذِ أَرْوَاحِهِمْ [فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوْسَى إِنَّا لمُدْرَكُوْنَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِيْنِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَىَ مُوْسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالَطَّوْدِ الْعَظِيْمِ] {الْشُّعَرَاءُ:61-63}.
وَلَجَأَ إِلَى التَّوَكُّلِ يَعْقُوْبُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ حِيْنَ خَافَ عَلَى بَنِيْهِ شَيَاطِيْنَ الْإِنْسِ فَأَوْصَاهُمْ ثُمَّ قَالَ [وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُوْنَ] {يُوَسُفَ:67}.
وَأَمَّا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ حَقَّقَ مِنَ التَّوَكُّلِ أَعْلَى مَنَازِلِهِ، وَوَثِقَ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ فِيْ أَعْسَرِ مَوَاقِفِهِ، فَلَمْ يَتَزَعْزَعْ إِيْمَانُهُ، وَلَمْ يَهْتَزُّ يَقِيْنُهُ، وَكَانَ التَّوَكُّلُ عَلَى الله تَعَالَى سِلَاحَهُ.. وَقَفَ المُشْرِكُوْنَ عَلَى الْغَارِ يَطْلُبُوْنَهُ؛ حَتَّى خَشِيَ أَبُوْ بَكْرٍ عَلَى الْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ الْنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. يَقِيْنٌ بِالله تَعَالَىْ تَامٌّ، وَتَوَكُّلٌ بَالِغٌ، وَطُمَأْنِيْنَةٌ وَسَكِيْنَةٌ، وَنَبْذٌ لِكُلِّ الْأَسْبَابِ إِلَّا سَبَبَ الله تَعَالَى.
وَمِنَ الْدُّرُوسِ الْنَّبَوِيَّةِ فِي الْتَّسَلُّحِ بِالتَّوَكُّلِ لِلْشَّدَائِدِ تَعَلَّمَ عُثْمَانُ ابْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ فَلَمَّا بُشِّرَ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيْبُهُ مَا زَادَ عَلَى أَنْ قَالَ:«اللهُ المُسْتَعَانُ، الْلَّهُمَّ صَبْرَاً، عَلَى الله الْتُّكْلَانُ»رَوَاهُ أَحْمَدُ. إِنَّهُ رَضِيَ الله عَنْهُ لَمْ يَسْأَلْ: مَتَى تَكُوْنُ الْبَلْوَى؟ وَلَا كَيْفَ تَكُوْنُ؟ وَلَمْ يَعْتَنِ بِمَعْرِفَةِ نَوْعِهَا، وَلَا مَنْ ورَاءَهَا. وَإِنَّمَا اعْتَنَى بِشَيْءٍ وَاحِدٍ هُوَ الْعُدَّةُ فِي الْبَلَاءِ، وَالْعَوْنُ فِي الْشِّدَّةِ.. اعْتَنَى بِالِاسْتِعَانَةِ بِالله تَعَالَى وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْبَلْوَى أُعِينَ عَلَىْهَا، وَثَبَتَ فِيْهَا، وَتَجَاوَزَهَا بِأَحْسَنِ اخْتِيَارٍ؛ إِذْ حُوْصِرَ فِي الْدَّارِ فَلَمْ يَتَزَعْزَعْ، وَكَانَ ثَبَاتُهُ وَرَبَاطَةُ جَأْشِهِ سَبَبَاً فِيْ حَقْنِ دِمَاءِ المُسْلِمِيْنَ، حَتَّى قَتَلَهُ الْخَوَارِجُ صَابِرَاً مُحْتَسِبَاً ثَابِتَاً، فَنَالَ الثَّبَاتَ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ وَاسْتِعَانَتِهِ بِالله تَعَالَىْ وَتَوَكُّلِهِ عَلَيْهِ لمَّا عَلِمَ أَنَّهُ يُبْتَلَى.
وَلَنَا يَا عِبَادَ الله فِيْ المُتَوَكِّلِيْنَ خَيْرُ قُدْوَةٍ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَىْ لمَّا أَخْبَرَ عَنْ تَوَكُّلِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ، ومُوَاجَهَتِهِ لِقَوْمِهِ، وَتَبَرُّئهِ مِنْهُمْ بَدَأَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ [قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيْ إِبْرَاهِيْمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ....وَخَتَمَهَا بِذِكْرِ دُعَائِهِمْ قَائِلِيْنَ: رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيْرُ] {المُمْتَحِنَةِ:4} فَلْنَكُنْ كَمَا كَانُوْا، وَلْنَتَسَلَّحْ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى مُرِّ المَصَائِبِ وَمَخُوفِ الْأَقْدَارِ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى خَاطَبَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم قَائِلَاً [يَا أَيُّهَا الْنَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ] {الْأَنْفَالِ:64} فَاللهُ تَعَالَى يَكْفِينَا مَتَى مَا تَوَكَّلْنَا عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ.. الْلَّهُمَّ امْلَأْ قُلُوْبَنَا إِيْمَانَاً وَيَقِيْنَاً بِكَ، وَتَوَكُّلَاً عَلَيْكَ، وَإِنَابَةً إِلَيْكَ، وَرِضَاً بِكَ وَعَنْكَ وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا، وَادْفَعِ الْبَلَاءَ عَنَّا وَعَنِ المُسْلِمِيْنَ يَا رَبَّ الْعَالَمِيْنَ..






التوقيع

رد مع اقتباس
 
 
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:18 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir