تقلبات أسعار النفط تثير الحيرة في الأسواق العالمية

تهدد بالمزيد من تباطؤ الاقتصاد العالمي
تقلبات أسعار النفط تثير الحيرة في الأسواق العالمية









أبوظبي
محمد عبدالرحيم:
استمرت التقلبات الحادة تمسك بخناق أسواق النفط طوال فترة الثمانية عشر شهراً الماضية بدون مؤشرات تدل على التباطؤ أو التوقف، وذلك بعد أن ارتفعت أسعار النفط إلى أكثر من ضعفها منذ بداية العام برغم الضعف الاستثنائي الذي يساور الاقتصاد العالمي. ولكن عدم استقرار أسعار النفط والغاز أخذ يثير حيرة المسؤولين الحكوميين ومحللي السياسات الذين أصبحوا يتخوفون أيضاً من أن تؤدي هذه التقلبات إلى تأخر عودة الانتعاش العالمي.

وهناك قلق أيضاً من أن تتمخض عن إثارة المزيد من الإحباط في أوساط الشركات والمستهلكين الذين يعانون أصلاً من آثار وتداعيات الركود المخيم في معظم أنحاء العالم الصناعي الذي يحاول جاهداً تخمين المستوى الذي سوف تؤل إليه الأسعار بعد عام أو حتى بعد شهر من الآن. وإلى ذلك فقد شهدت أسواق النفط تقلبات جنونية في خلال فترة الاثني عشر شهراً الماضية. ففي يوليو الماضي قفزت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها القياسية إلى ما فوق 145 دولاراً للبرميل. وبمجرد أن بدأ الاقتصاد العالمي في الانهيار سرعان ما تراجعت أسعار النفط إلى 33 دولاراً للبرميل في ديسمبر. وكما تقول لورا رايت كبير المراقبين الماليين في شركة ساوث ويست ايرلاينز الأميركية التي سعت لتأمين نفسها ضد تقلبات الأسعار عبر شراء عقود النفط المستقبلية الطويلة الأجل: «إن إطلاق وصف تقلبات متطرفة يبدو أقل بكثير عن الحالة التي نشهدها. ففي خلال فترة الخمسة عشر أو الثمانية عشر شهراً الماضية شهدت الساحة حالة غير مسبوقة من التقلبات في الأسعار وتشكل لا يستطيع أي أحد تبريرها». وفي الحقيقة فإن التقلبات في أسواق النفط بلغت مستويات في العام الماضي لم يتم تسجيلها منذ صدمتي الطاقة التي حدثت في أواخر السبعينيات وأوائل حقبة الثمانينيات وفقاً لما ذكره كوستانزا جاكازيو محلل الطاقة في بنك باركليز كابيتال في نيويورك. وبمجرد إغلاق التعاملات في الأسبوع الماضي انخفضت أسعار النفط الآجلة إلى مستوى 66.73 دولار للبرميل بعد أن كانت قد ارتفعت إلى ما فوق 72 دولاراً للبرميل في الشهر الماضي. أما الخام الخفيف الحلو فقد استمر في التراجع حتى مستوى 64.52 دولار للبرميل عند الإغلاق في فترة الظهيرة.




تذبذب الأسعار






على أن هذه التذبذبات والتباينات الحلزونية الحادة قد أفضت بتداعياتها في جميع أرجاء الاقتصاد. إذ أدت إلى إجبار شركتي جنرال موتورز وكرايسلر إلى طلب الحماية من الإفلاس بعد أن نأى الزبائن بأنفسهم عن السيارات الأكثر استهلاكاً للوقود. أما شركات الخطوط الجوية في جميع أنحاء العالم فقد أصبحت في طريقها لأن تشهد عاماً آخر من الخسائر الباهظة بسبب عودة ارتفاع تكاليف وقود الطائرات. أما على مستوى الأفراد الذين يعانون الأمرين أصلاً من انهيار أسعار المنازل والخسائر المريعة في الوظائف إلى جانب ضغوط الائتمان فقد أضحوا مجدداً مجبرين على توخي الحذر في الإنفاق بسبب ارتفاع أسعار الطاقة. وفي الوقت الذي استمرت فيه الحركة في أسواق النفط أشبه بالتأرجحات التي تحدث في معظم أسواق الموجودات الأخرى بمن فيها الأسهم وسائر أنواع السلع الأخرى إلا أن الارتفاع الأخير في أسعار النفط بات يثير الجدل مجدداً عن دور المستثمرين - أو المضاربين - في أسواق السلع. أما المسؤولون الحكوميون في جميع أنحاء العالم فقد أصبحت تنتابهم المخاوف من إمكانية تجدد مشهد ارتفاع الأسعار الذي حدث في عام 2008. وهو الأمر الذي دعا المسؤولين في الطاقة في الاتحاد الأوروبي وفي منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» لأن يقولوا في اجتماعهم الذي عقد في فيينا في الشهر الماضي «إن مسألة المضاربات لم يتم حلها بعد لذا فإن فقاعة العام 2008 ربما تتكرر مجدداً».

تدفق الإمدادات

وإلى ذلك فهناك العديد من العوامل التي أدت إلى رفع أسعار النفط الآن تماماً كما حدث في العام الماضي، فالمخاوف من تدفق الإمدادات بدأت تمسك مجدداً بخناق السوق في ظل تجدد جولة جديدة من العنف في دلتا النيجر الغنية بالنفط في نيجيريا وبشكل أدى إلى انخفاض الإنتاج. أضف لذلك وجود الكثير من المخاوف بشأن إمكانية أن يؤدي عدم الاستقرار السياسي في إيران إلى تراجع صادرات الدولة. ومن جهة أخرى فإن منظمة أوبك التي نجحت في الأشهر القليلة الماضية في تقليص الإنتاج من أجل المحافظة على عدم تراجع الأسعار إلا أن الدول الأعضاء في المنظمة لم ترغب بعد في فتح الصنابير مرة أخرى برغم انتعاش الأسعار. وذكر بعض كبار المسؤولين أن المنظمة مازالت تستهدف سعراً في مستوى 75 دولاراً للبرميل بحلول نهاية العام. بيد أنه وعلى خلاف ما حدث في العام الماضي عندما لم يكن الاقتصاد العالمي في حالة من الركود وكان الطلب قوياً على السلع فإن عالم اليوم أضحى يمر بأسوأ تباطؤ له في نصف قرن. ولقد حذر البنك الدولي من أن الركود سوف يصبح أعمق وأكثر حدة مما كان يعتقد في السابق، كما أن أي انتعاش يحدث في العام المقبل سوف يصبح هامشياً. أما وكالة الطاقة الدولية فقد تبنت من جانبها وجهة النظر القائلة بأن الطلب على الطاقة ليس من المرجح أن يشهد الانتعاش قبل العام 2014 والآن فإن جميع المؤشرات التي تدل على إمكانية انخفاض الأسعار - مثل ارتفاع مخزون النفط أو وجود سعة إنتاجية احتياطية هائلة في دول الأوبك - لن تتمكن من أن ترمي بثقلها الآن كما يقول المحللون. إذ كتب المحللون في دوتشه بنك في تقرير صدر مؤخراً جاء فيه «إن أسعار النفط الخام قد دخلت في طلاق بائن فيما يبدو مع العوامل الجوهرية المتمثلة في ضعف الطلب ووفرة الإمدادات وارتفاع مستوى المخزون». وفي هذه الأثناء فقد ظل المستثمرون يراهنون على أن الأزمة الاقتصادية ربما شارفت على الانتهاء. وأصبحوا بذلك يتسابقون على ما سوف يصبح سلعة نادرة بمجرد أن يبدأ الطلب في الارتفاع كما يشير المحللون. أما بالنسبة لصناعة الطيران العالمية فإن الزيادة الأخيرة في الأسعار بات من المؤكد أن تترجم في المزيد من الخسائر في هذا العام وفقاً لما ذكرته منظمة إياتا. ومن أجل تجاوز هذه المحنة فقد لجأت العديد من شركات الخطوط الجوية إلى تقليل المسارات ورفع أسعار التذاكر والرسوم بينما عمد بعض كبار اللاعبين في الصناعة إلى الاندماج. وعلى سبيل المثال فقد سارعت شركة دلتا ايرلاينز في الولايات المتحدة إلى شراء شركة نورث ويست ايرلاينز في العام الماضي بينما أقدمت شركة لوفتهانزا الألمانية على شراء حصة في شركة أوستيريان ايرلاينز النمساوية. أما شركة ايرفرانس - كيه إل إم فقد تملكت أيضاً حصة في شركة اليتاليا الإيطالية. أما الأهم من ذلك فإن شركات الخطوط الجوية بدأت تتوقف عن الخطط الاستثمارية بهدف الاحتفاظ بالسيولة النقدية. ورغم ذلك فقد نصح جيروين فإن دير فير الذي تقاعد كمدير تنفيذي لشركة رويال دوتش شل في الأسبوع الماضي بضرورة إلقاء نظرة متأنية على الأسواق منذ وقت طويل وهو يقول «إن أسعار النفط لم تكن مستقرة بشكل ثابت على الإطلاق. وإذا نظرت للتاريخ فسوف يتعين عليك أن تتوقع المزيد من التقلبات».






http://www.alittihad.ae/details.php?id=22822