06-08-2007, 10:11 PM
|
#1
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 3319
|
تاريخ التسجيل : Aug 2006
|
أخر زيارة : 12-08-2016 (11:16 PM)
|
المشاركات :
269 [
+
] |
التقييم :
50
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
الرضى والحزن
قال الشيخ: الناس في زماننا ارتضوا أن يعيشوا في سجون الهم وأقفاص الغم، يحسبون ويجمعون ويطرحون، يتصورون ويطمحون ويخططون، فلا يجد أكثرهم أمامهم إلا جدران اليأس وانعدام الأمل، يهشمون عليها رؤوسهم وتنهار أمامها عزائمهم.
الناس من أكثرهم جهلاً وأمية وضلالاً، إلى أكثرهم علماً وقدرة على التنبؤ واستشراف المستقبل، ترونهم اليوم يتأففون ويتنهدون ويزفرون، تحرق نيران صدورهم كل بارقة أمل، حتى بات أكثرهم يتعجلون الأجل.
حسابات الدنيا ملابس ضيقة لا تتيح للأجساد والنفوس والآمال أن تنمو وتأخذ أبعادها المرغوبة، تتناقص معطيات النجاح والانجاز الدنيوي فينشب اليأس أظافره في الأعناق، فلا دنيا تطيب ولا آخرة تحلو برفقة الحبيب.
اقرأوا صحيفة يومية واحدة وهي كفيلة بإطفاء كل نور ممكن في حياتكم، طالعوا ما يسمى بدراسات المستقبل ترون الأخطار تهدد حياتكم وحياة أبنائكم، حتى البسطاء من الناس ترونهم يضيقون بحياتهم عندما لا تعطيهم، فترونهم يعدون أيامهم بكسل وزهد شديدين كأنها ليست أياماً من أعمارهم وأبعاضاً من أجسادهم.
عندما يعرض الناس عن الإيمان بالله، يكون أول ما يعاقبهم به ربهم علقم اليأس يحرق حلوقهم، فكل ما يأملون به يصبح بعيداً عنهم بعد النجوم، حتى أولئك الذين يعتبرون بميزان الدنيا من الناجحين والمنجزين، ترونهم لا يسعدون بما هم فيه فهم يطمعون إلى المزيد والمزيد عن منال أيديهم بعيد.
قد نستطيع أن نطلق على هذا الزمان تسمية زمان اليأس وعدم الاكتفاء وعدم الإشباع، زمان القيود والحدود والسدود، زمان يتعايش فيه كل امرئ مع آماله المحبطة، وأهدافه المستحيلة، وهمته العليلة، فالناس قد نسوا الله ، وهو القادر وهو الرازق وهو الكريم، هو من لا تعجزه الوسائل، ولا يقف في وجه إرادته حد أو قيد، هو الأعلى فوق الحسابات والأسباب والنتائج، هو من أمره بين الكاف والنون، وإذا أراد شيئاً قال له كن فيكون.
أعرضنا عنه، وتركنا الوقوف على بابه، وزهدنا بسؤاله: «هل من مستغفر فأغفر له، هل من محتاج فأعطيه، هل من مريض فأشفيه، هل من غائب فأرده، هل من خائف فأؤمنه.»
أعرضنا عن باب الكريم ووقفنا على باب كل لئيم، طلبنا حاجاتنا ممن يستثقلها، ورغبنا فيما في أيدي الناس، ونسينا أو جهلنا إن ما عند الله لا ينفذ، وأنه لو أعطى مفاتيح خزائنه للخلق لما أنفقوا، ولأمسكوا خشية القلة والفقر.
زهد الناس فيما في أيديهم ولم يقدروه حق قدره، فلم تسرهم النعمة ولم يشكروا ربهم عليها، ترون أكثرهم يعوم فوق بحر من النعم وهم مهمومون محزونون، ثم إنهم لما أرادوا المزيد طلبوه من العبيد، والأصل في الإنسان الشح والبخل، ولا ينجو إلا من زحزح بأمر الله عن شحه، ثم إنهم عاشوا الهدر والإسراف والتبذير والتضييع. فلم يكف الواحد منهم ما كان يكفي عائلة كبيرة من أسلافهم، ثم جاء الظلام واللئام، وسرقوا من أيدي الناس الأموال ومن أفواه أولادهم الطعام، فضج الناس بالهم والغم، وباليأس والشكوى، بدل أن يضجوا بالرجاء والدعاء والنجوى.
والله ما وجد الناس خلال العصور والدهور كالرضى يداوي جراحاتهم، ويخفف من آهاتهم، ويفتح ثغور الأمل في الهموم المتراكبة كالجبال، ولكن الرضى يستوجب الإيمان بالقادر على كل شيء، بمن لا ينقص من خزائنه العطاء، بمن يخلق الأمل في رحم اليأس، ويداوي وحده بكرمه جراحات النفس.
من أراد أن يتحرر من حسابات الدنيا الضيقة، من أراد أن يكون أقوى وأكبر من ظروفه مهما كانت فقيرة أو عسيرة، من أراد أن يعتصر الصخر وتكون له القوة والقدرة والأمل بأنه يستطيع فعل شيء في زمن العجز والإعاقة والعقم، فليس لديه أو أمامه إلا باب الله يطرقه بخضوع وخشوع ويستمد منه أهم ما تقضى به الحاجات الرضى والأمل.
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|