التمادي على الرسول يتسع في أوروبا
د. حسن الطوالبة/كاتب وباحث أكاديمي من الأردن
يوما بعد يوم يتمادى المنادون بحرية الرأي في استغلال هذه الحرية بهدف الإساءة إلى الأديان، والحط من قدر الأنبياء والرسل. فتارة يتحدث من يضعون أنفسهم في مصاف المفكرين بسوء عن الإسلام وكتابه المقدس، كما فعل سلمان رشدي في كتابه الملعون "آيات شيطانية" وتارة أخرى يعمد مخرجو السينما في هوليود إلى الإساءة إلى الإسلام وتعاليمه ورموزه، وتارة اخرى يعمل رسامو الكاريكاتير إلى فرض رسومهم الملعون على رسول الهدى والمحبة محمد (صلى الله عليه وسلم)، كما فعلت صحيفة في الدنمارك وصحيفة أخرى في فرنسا، ثم تبع ذلك صحف أخرى في النرويج والسويد وألمانيا والحبل على ال****************.
إن منطق هؤلاء المنادين بحرية الرأي، منطق أحادي النظرة، يتسم بالتعالي والغطرسة والاستهتار بقيم ومبادئ ومثل الآخرين من الأمم والشعوب، كما يتسم بإهانة الديانات والرسل والأنبياء، وحجتهم الواهية أنهم سبق أن جسدوا بالصور أنبياء ورسل لديانات أخرى، فلماذا لا يجسدوا صورة الرسول محمد في وسائل إعلامهم العنصرية..؟!.
وهم بهذا المنطق المتهاوي والعنصري لا يعيرون وزنا لمليار ونيف من مسلمي العالم، الذين يكنون حبا جمّا لرسولهم العظيم، ويعبرون عن هذا الحب بالالتزام بتعاليمه التي وردت في أحاديثه الشريفة، وفي سلوكه في ممارسة الحياة اليومية، أثناء التبشير بالرسالة، ومثل هذا الامتثال لنمط الحب الروحي، يسمو بالإنسان إلى مرتبة أعلى من الحس المادي المجسد.. فالرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وكل الرسل والأنبياء من قبله، هم صفوة من خلق الله تعالى، اصطفاهم لحمل رسالات سماوية، ومنحهم الأهلية الروحية المؤهلة والقادة على نشر الرسالات السماوية، ومنح بعضهم معجزات لم يقدر على مثلها الآخرون من البشر. وإدراكهم بالعقل هو الإدراك الأسمى من كل إدراك حسي مادي. وبذلك نكرمهم ونجلهم، ولا نضعهم كالآخرين في الإدراك والتصور الحي.
ويبدو أن غالبية الغربيين الذين انغمسوا في مخرجات الثورة الصناعية بكل مراحلها، باتوا يعيشون حياة مادية بحتة، كرد فعل على ما فعلته الكنيسة بهم، عندما كانت تحكم البشر في الدنيا، وتحدد مصيرهم بالآخرة. فالانغماس بالحياة المادية المجسدة اباح لهم تجسيد كل ما هو روحي، وتصويره برموز مادية. ولم تسلم رموز العبادات من تصويرها برموز جنسية حسية، انسجاما مع توجههم الغزيزي في الحياة اليومية.
وإضافة إلى ذلك فان الغربيين وقفوا تحت تأثير الثورة الدينية التي أحدثها كل من (لوثر) و(مكفن) في أوروبا، ومن ثم في الولايات المتحدة. إذ صار لزاما على الغربيين المسيحيين أن يقرأوا الكتاب المقدس بشقيه التوراة والإنجيل، ونعلم جيدا أن التوراة كتبت في وقت متأخر. إبان (الأسر البابلي) في القرن السادس قبل الميلاد. كما وقع الغربيون تحت نفوذ الصهيونية العالمية التي هيمنت على غالبية الرأسمال العالمي، وكبريات الصحف في العالم، ووسائل الإعلام الأخرى، وخاصة الفنية. إذ يتحتم على أي فنان، لكي يدخل بوابة العالمية في الفن، أن يحني رأسه أمام جهابذة المنتجين السينمائيين في هوليود، وغالبيتهم من اليهود الصهاينة.
وبالمقابل إذا نظرنا إلى أفعال الصهيونية العالمية، وقاعدتها الاستيطانية في فلسطين، نجد أنها مُجنّدة للدفاع عن كل المزاعم والأباطيل، وتقيم الدنيا حول من يتناول أية مزاعم للصهيونية. فعندما تصدى المفكر الفرنسي روجيه غارودي لفضح مسألة المحرقة النازية، وشكّك في الأرقام المذكورة عن عدد اليهود الذين قضوا فيها، تعرض غارودي إلى حملة عالمية، ومثل أمام القضاء الفرنسي بدعوى انه معاد للسامية.
ولم تهدأ الصهيونية العالمية إزاء موضوع المحرقة، حتى عرضته على الأمم المتحدة، وبعون ودعم دول الغرب، أصدرت الأمم المتحدة قرارا ينسجم مع المزاعم الصهيونية، وخصصت مبلغ 15 مليون دولار، للتثقيف على "مأساة المحرقة" لدى الأجيال الشابة في العالم. وعندما أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة الصهيونية 1975، ووصفتها بالعنصرية، نظراً لممارساتها اليومية، عادت الصهيونية والدول الغربية بعد غزو العراق 1991، لتمارس ضغوطاً على الجمعية العامة، لكي تصدر قرارا يلغي قرارها الأول 1975. وكأن الصهيونية، وكيانها العنصري الاستيطاني قد تغير، وصار ملاما من دون أخطاء.
إن الأمثلة الآنف ذكرها، كانت قبل عقدين أو ثلاثة ضرباً من الخيال، وكان الاعتقاد أن الآراء والمواقف سوف تظل على حالها إزاء الصهيونية، ولكن تغير موازين القوى الدولية، وهيمنة اللولبي الصهيوني على الرأسمال الأمريكي، وعلى مصادر القرار السياسي في الولايات المتحدة، هيأ الأجواء أمام الصهيونية وكيانها "اسرائيل"، لان تستصدر كل يوم قرارا دوليا يكبل العالم بقيود جديدة تحد من حرية الرأي، اذ تم اصدار قرار يدين، ويجرم كل إنسان يدعم الإرهاب بالمنظور الأمريكي الغربي، وهذا المنظور يعتبر حماس وحزب الله والمقاومة العراقية محرمات إرهابية، في حين أن ميثاق الأمم المتحدة، أجاز حق الشعوب في مقاومة المحتلين.
مما سبق فان الميدان العالمي صار مساحة حرب يخوضها الكبار لحماية مصالحهم وترويج أفكارهم مهما كانت خاطئة. وصار الحق باطلاً، والإيمان كفراً، والجهاد إرهاباً، ولكي نخوض المواجهة مع الكبار الذين غاصوا في العمق في غيّهم وتعاليهم وغطرستهم، لا بد من استخدام القوة، وخاصة القوة المادية التي يولونها كل عنايتهم.
1- إن ردة الفعل العربية والإسلامية على ما نشرته الصحيفة الدنماركية ما زال دون حدود التأثير. وحتى لو اعتذرت الصحيفة، والحكومة الدنماركية، فلا بد وأن يتم عقاب المسيء، وعقاب من حوله. كما هو منطق الغرب إزاء "حماس"، بعد أن فازت في الانتخابات التشريعية. ولدى العرب قدرات ومكامن قوة لا يستهان بها، بدءا بالتجارة والشركات وانتهاء بالنفط، ويمكن تحويل الموضوع إلى أزمة دولية يحقق العرب فيها نجاحا منظورا إذا تحركوا بنفس واحد وبرأي موحد.
2- قامت "منظمة المؤتمر الإسلامي" بتحرك أولي، ولا بد أن تتابع نشاطها في إطار العالم الإسلامي، ليكون الرد شاملاً من الدول الإسلامية التي تضم مليار مسلم ونيف. ويمكن أن تقوم بطلب عرض الموضوع على الأمم المتحدة، لإصدار قرار يمنع المساس بأشخاص الأنبياء والرسل.
3- على نقابات الصحافة والإعلام، واتحاد الصحفيين العرب، والاتحاد العالمي للصحافة التحرك للتنديد عالميا بالصحيفة المسيئة، ووضع ميثاق شرف صحفي، يلزم الجميع بعدم المساس بالأنبياء والرسل، بأي شكل، سواء بالقول أو الرسم أو التجسيم.
4- وفي الجانب الرسمي الحكومي، فيمكن أن يبدأ التحرك بتقديم مذكرات احتجاج، واستدعاء السفراء، والتهديد بسحب السفراء العرب والدول الإسلامية من الدول التي تسيء وسائل إعلامها للرسول الكريم.
إننا في مثل هذه الأيام التي نشهد فيها حشداً صهيونياً غربياً ضد الإسلام بدعوى أن بعض الجماعات المنتمية لبلاد المسلمين تمارس العنف، لا بد أن نكون أكثر وفاء وحبا للرسول الكريم، مثل حب ووفاء زيد بن حارثة مولى الرسول، عندما لاذ عن حبيبه حجارة أطفال وسفهاء الطائف. وإلا فسوف نرى ما يثير الدهشة والعجب إذا لذنا بالصمت ورضينا بهذا الهوان. فلننتصر لرسولنا، رسول المحبة والهداية. ولنحفظ أنفسنا وديننا من المهانة التي يمارسها سفهاء الغرب هذه الأيام.
ام هزاع
|