السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيما وتكبيرًا، المتفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديرًا وتدبيرًا، المتعالي بعظمته ومجده، الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمابعدفاتقوا الله عباد الله،
أيهاالأحبة يعيش الوالدان والأولياءفي ترقب وحذر،وتخوف وأمل .. ينتظرون على أحرمن الجمر،ماتؤول إليه نتيجةالأبناءفي الامتحانات،وقدأُبرمت الوعود،وزفت البشائر،بالهداياالقيمةوالرحلات الممتعة،إذاكانت النتائج مرضيةمشرفة.
وأعلنت النتائج وستعلن،وبدأت الإجازةالصيفيةالطويلة،تلك الإجازةالتي ينتظرهاملايين الطلاب والطالبات من الأبناء والبنات؛ليستريحوامن عناءالسهروالمذاكرة،والذهاب يومياًإلى المدارسوالمعاهدوالجامعات .
نعم .. لقدبدأت الإجازة،والله أعلم بماقضى الله فيهامن الأقداروالأخبار .. الله أعلم كم فيهامن رحمةتنتظرالسعداء !! وكم فيهامن بليةومصيبةتنتظرالأشقياء !
وإذاكنانتحدث عن الإجازةفإننانتحدث عن جزء من أعمارنا،ورصيدمن أوقاتناولعلي أذكربأمورفإن المؤمنين تنفعهم الذكرى
أولا : مهمة الإنسان في هذه الحياة، فهي سر وجوده ووسام عزه، وتاج شرفه،تلكم هي عبوديته لربه عز وجل، وتسخيره كل ما أفاء الله عليه للقيام بها، وعدم الغفلة عنها طرفة عين، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّلِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
163].فحيثما كان وحلَّ،وأينما وُجِد وارتحل، فإنه يضع العبودية لله شعاره، وطاعته لربه دثاره. هذا هومنهج المسلم الصادق في إسلامه، القوي في إيمانه، لاتغيب عنه هذه الغاية طرفة عين في جميع أحيانه وأحواله ، قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَوَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ [الأنعام: 162،
ثانيا : الوقت هوالحياة .. من عمره فإنمايعمرحياته،وم نقتله فإنمايقتل نفسه .
ولأهميةالوقت،فإن الله سبحانه وتعالى أقسم به في أوائل سوركثيرة .
{وَالْعَصْرِ} ، {وَالْفَجْرِ } ، {وَالضُّحَى} ، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، {وَاللَّيْلِ إِذَايَغْشَى} ،وغيرهامن الآيات.
فالوقت هوثمرةالعمرطيبةكانت أوخبيثة .. وفي هذايقول ابن القي مرحمه الله : ( السنةشجرة،والشهورفروعها،والأيام أغصانها،والساعات أوراقها،والأنفاس ثمارها،فمن كانت أنفاسه في طاعةفثمرته طيبة،ومن كانت في معصيةفثمرته حنظل ) . ألا فليعلم ذلك من أهدروا أوقاتهم، وبدَّدوا أعمارهم، في غير مرضات مولاهم
ثالثا : الفراغ، فهو نعمة من نعم الله، يجب شغله بكل وسيلة شرعية، وذلك بالقيام بالعبادة بمفهومها الواسع، أو على أقل تقدير بالأمور المباحة شرعًا دون ما هو محرم، ففيماأحلَّ الله غنية عما حرم، وقد أرشد المولى نبيه بقوله سبحانه: : فَإِذَافَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ
قال ابن كثيررحمه الله في تفسيره : أي إذافرغت من أمورالدنياوأشغالها،وقطعت علائقها،فانصب إلى العبادة،وقم إليهانشيطافارغ البال،وأخلص لربكالنية والرغبة.اهـ
الفراغ جرثومة فساد تنتشر وتستفحل في مجتمعات الشباب فتحطم الجسد وتقتل الروح، الفراغ لص خابث وقاطع عابث وسارق خارب أفسد أناساً ودمر قلوباً وسبب ضياعاً وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى غفلة الكثير عما وهبوا من نعمة الفراغ والعافية فقال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفرغ) رواه البخاري من حديث ابن عباس قال ابن بطال: (كثير من الناس ) أي أن الذي يوفق لذلك قليل أهـ
ويقول : ((اغتنم خمسًا قبل خمس))، وذكر منها: ((وفراغك قبل شغلك)) خرجه الإمام أحمد والبيهقي والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي فكم كان الفراغ سببًا في الانحراف بكل ضروبه، والفساد بشتى صوره، عند عدم استثماره، فهو منَّة ونعماء، لكن إذا استغِلَّ في معصية الله فهو نقمة وبلاء إن الفراغ المهدر سبب لتسلط الشيطان بالوساوس الفاسدة التي ينشأ عنها كثير من الانحرافات والمعاصي فنفسك إن لم تشغلها بالحق والخير شغلتك بالباطل والشر.
رابعا : الترفيه البريء، والترويح المباح، إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فبعد تعب وجهد وعناء تميل النفوس إلى التجديد والتنويع، وترنو إلى الترويح واللهو المباح دفعاً للكآبة ورفعاً للسآمة ليعود الطالب بعدها إلى مقاعد الدراسة بهمة وقادة ، ويرجع الموظف إلى عمله بعزيمة وثابة ذلك أن القلوب إذا سئمت عميت قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا ) رواه البخاري ومسلم،ويقول عليه الصلاة والسلام ياحنظلة ساعة وساعة فالإسلام دين السماحة واليسر يساير فطرة الإنسان وحاجاته ، فحين شاهد النبي صلى الله عليه وسلم الحبشة يلعبون قال « لتعلم يهود أن في ديننا فسحة إني أرسلت بحنفية سمحة » رواه أحمد فبعض الناس لا يرى في الحياة إلا الجد المرهق ، والعمل المتواصل ، وآخرون يرونها فرصة للمتعة المطلقة والشهوة المتحررة ، وتأتي النصوص الشرعية فيصلاً لا يشق له غبار ، فيشعر بعدها هؤلاء وهؤلاء أن هذا الدين وسط وأن التوازن في حياة المسلم مطلب قال تعالى: ( واتبع فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا.. الآية). لكن يجب أن يكون كل ترفيه وترويح في حدود ما هو مباح شرعًا، فالإسلام لا يحجر على أتباعه أن يروِّحوا عن أنفسهم، أو يدخلوا السرور على أهليهم وأبنائهم، وأن يقوموابالوسائل المباحة في ذلك شرعًا.
أما أن يُستغَل ذلك فيما يضعف الإيمان،ويهزُّ العقيدة، ويخدش الفضيلة، ويوقع في الرذيلة، ويقضي على الأخلاق والقيم والمثل والمبادئ، فلا وكلا، وإن رغمت أنوفُ أناسٍ، فقل: "يا ربِّ لا ترغِم سواها".
وبعدهذه الأمورالأربعة المهمة لعلنانتذاكرأحوال الناس مع الإجازة فهم على ثلاثة أصناف
1) قاتلون لأوقاتهم بسهام المعاصي فتجد ليلهم على الأطباق الهوائية أو المقاهي الليلية ونهارهم نوم عن الصلوات وهجر للجمع والجماعات هذا إن قضوها في بلادهم وبين أهليهم وإلا فلديار الإباحية يطيرون وحول حماهم يحومون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
2) مستغلون لأوقاتهم فتجد أوقاتهم بذكر الله معمورة وبطلب العلم والدعوة إلى الله مشغولة فبهم ينتصر الدين فهم نجوم ليل الفتن التي ترمى بها الشياطين.
3)مضيعون لأوقاتهم فيما لا فائدة فيه على حساب إهمال أنفسهم محرومون من الاستفادة منها فيما يعود عليهم بالنفع فتنقضي الإجازة ورصيدهم العلمي والعملي كما هو قبل الإجازة إن لم يكن اقل.
أخي المسلم : إن الإجازة جزء من عمرك وحياتك ترصد فيها الأعمال وتسجل فيهاالأقوال ، وأعلم أنك موقوف للحساب بين يدي ذي العزة والجلال ، فإن الدنيا دار اختبار وبلاء، قال صلى الله عليه وسلم: " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسال عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ما له من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذاعمل به"..
واستشعار ذلك – عباد الله - يجعل للحياة قيمة أعلى ومعان أسمى أعوذبالله من الشيطان الرجيم أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون" .. أقول هذا القولَ، وأستغفِر الله لي ولَكم ولِسائرِ المسلِمين مِن كلّ ذنبٍ، فاستَغفِروه إنّه هوَ الغفور الرّحيم