بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد:
ذكر الله تعالى
لو كلف كل واحد منا نفسه ، في أن يحرك جفنيه ،
ليرى يمنة ويسرة ، مشاهد متكررة ، من صرعى الغفلة وقلة الذكر ،
أفلا ينظر إلى ظلمة البيوتات الخاوية من ذكر الله تعالى ،
أولا ينظر إلى المرضى المنكسرين ،
أوكلهم الله إلى أنفسهم لما نسوه ، فلم يجبروا عظما كسره الله،
وازدادوا مرضا إلى مرضهم ،
أولا ينظر إلى المسحورين والمسحورات ،
وقد تسللت إليهم أيدي السحرة والمشعوذين ، والدجاجلة الأفاكين ،
فانتشلوا منهم الهناء والصفاء ، واقتلعوا أطناب الحياة الهادئة ،
فخر عليهم سقف السعادة من فوقهم .
أو لا يتفكر الواحد منكم في أولئك المبتلين بمس الجان ومردة الشياطين يتوجعون ،
ويتقلبون تقلب الأسير على الرمضاء ،
تتخبطهم الشياطين من المس فلا يقر لهم قرار ، ولا يهدأ لهم بال ،
أرأيتم رعاكم الله ، لو كلف كل واحد منكم نفسه بهذا ،
أفلا يُسائل نفسه أين هؤلاء البؤساء من ذكر الله عز وجل ؟!
أين هم جميعا من تلك الحصون المكينة ، والحروز الأمينة ، التي تعتقهم من عبودية الغفلة والأمراض الفتاكة ؟!!
أما علم هؤلاء جميعا ، أن لدخول المنزل ذكرا وللخروج منه ؟!
أما علموا أن للنوم ذكرا وللاستيقاظ منه ؟!
أو ما علموا أن للصباح من كل يوم ذكرا ، وللمساء منه ؟ !
بل حتى في مواقعة الزوج أهله ،
بل وفي دخول الخلاء – أعزكم الله – والخروج منه ؟
بل وفي كل شيء ذكر لنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم أمرا ،
علمه من علمه وجهله من جهله .
والواقع أيها الناس ،
أنه إنما خذل من خذل من أمثال هؤلاء الغافلين ، لأنهم على عجزهم وضعفهم ،
ظنوا أنفسهم شيئا مستقلا ، لا سباق لهم في ميدان ذكر الله ،
بينما نجد آخرين عمالقة في قوتهم ، وهم من ذلك ،
يرون أنفسهم صفرا من دون ذكر الله تعالى ،
فكانت النتيجة أن طرح الله البركة واليمن على من ذكروه ، فنجوا وأفلحوا ،
ورفع رضوانه وتأييده عمن اعتز بنفسه ، فتركه مكشوف السوءة عريان العورة .
وفي حضارتنا المعاصرة ، كثر المثقفون ، وشاعت المعارف الذكية ،
ومع ذلك كله ، فإن اضطراب الأعصاب وانتشار الكآبة داء عام .
ما الأمر وما السبب في ذلك ؟
إنه خواء القلوب من ذكر الله ، إنها لا تذكر الله كي تتعلق به وتركن إليه ،
بل كيف تذكر ، من تتجاهله ؟!!!
إن الحضارة الحديثة ، والحياة المادية الجافة ، مقطوعة الصلة بالله إلا من رحم الله ،
والإنسان مهما قوي فهو ضعيف ،
ومهما علم فعلمه قاصر وحاجته إلى ربه أشد من حاجته إلى الماء والهواء ،
وذكر الله في النوازل عزاء للمسلم ورجاء
( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب )
سورة الرعد آية رقم 28
ولو تنبه المسلمون لهذا ، والتزموا الأوراد والأذكار ،
لما تجرأ بعد ذلك ساحر ،
ولا احتار مسحور ،
ولا قلبت بركة ،
ولا تكدر صفو ،
ولا تنغص هناء .
هذا وللحديث بقية
فعسى الله أن ينفع به
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب