إذا كان القلبُ ممتلئًا بالباطل اعتقادًا ومحبةً لم يبْقَ فيه لاعتقاد الحقِّ ومحبتِهِ موضعٌ؛ كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلُّم بما لا ينفعُ؛ لم يَتمكَّنْ صاحبُهُ من النُّطق بما ينفعُهُ؛ إلا إذا فرَّغَ لسانه من النُّطق بالباطل، وكذلك الجوارحُ إذا اشتغلت بغير الطاعة؛ لم يُمكن شغلها بالطَّاعة إلا إذا فرَّغها من ضدِّها.
فكذلك القلبُ المشغولُ بمحبَّة غير الله وإرادته والشوق إليه والأُنْس به لا يُمكن شغلُهُ بمحبة الله وإرادتِهِ وحبِّه والشوق إلى لقائه؛ إلا بتفريغِهِ من تعلُّقه بغيره، ولا حركة اللسان بذكره والجوارح بخدمتِهِ؛ إلا إذا فرَّغها من ذكر غيره وخدمته؛ فإذا امتلأ القلبُ بالشُّغْل بالمخلوق والعلوم التي لا تنفعُ؛ لم يبق فيها موضعٌ للشُّغل بالله ومعرفة أسمائِهِ وصفاتِهِ وأحكامِه.
[الفوائد لابن القيم]