السؤال:
قرأت أن حد القذف واحد ، سواء كان المقذوف رجلا أو
امرأة ، أريد أن أعرف ما الحكمة إذا من ورود آيات
القذف باللفظ المؤنث : " الذين يرمون المحصنات" ؟
ومن أين استنتجنا أن الحكم في قذف الرجل هو
نفسه الحكم في قذف المرأة إذا كانت الآيات تكلمت
فقط عن قذف النساء ؟ وجزاكم الله خيرا .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ
شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ
بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور/ 4، 5 .
ذكرت الآية المحصنات من النساء ولم تذكر الرجال ،
وقد أجمع العلماء على أن قذف الرجال داخل في حكم
الآية .
قال ابن كثير رحمه الله :
" هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة ، وهي الحرة البالغة العفيفة ، فإذا كان
المقذوف رجلا فكذلك يجلد قاذفه أيضا ، ليس في هذا
نزاع بين العلماء " .
انتهى "تفسير ابن كثير" (6 /13) .
ثانيا :
أما الجواب عن الآية في ذكر النساء فقط دون الرجال :
فللعلماء عن ذلك أجوبة متعددة :
- فقيل : إنما ذكر النساء دون الرجال لأن قذفهن أكثر
وأشنع .
قال ابن جزي رحمه الله :
" والمحصنات يراد بهن هنا العفائف من النساء ،
وخصهن بالذكر لأن قذفهن أكثر وأشنع من قذف الرجال
، ودخل الرجال في ذلك بالمعنى ، إذ لا فرق بينهم ،
وأجمع العلماء على أن حكم الرجال والنساء هنا واحد
" انتهى من "التسهيل" (ص 1214) .
وينظر:"فتح القدير" للشوكاني (4 /11) و"تفسير
الثعالبي" (3 /109) .
- وقيل : المراد بالمحصنات في الآية (الأنفس
المحصنات) ؛ فتعم بذلك الرجال والنساء .
قال ابن حزم رحمه الله :
" قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : بَلْ نَصُّ الْآيَةِ عَامٌّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
، وَإِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى النُّفُوسَ الْمُحْصَنَاتِ ، قَالُوا : وَبُرْهَانُ هَذَا الْقَوْلِ وَدَلِيلُ صِحَّتِهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي
مَكَان آخَرَ ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ ) قَالُوا : فَلَوْ كَانَتْ
لَفْظَةُ " الْمُحْصَنَاتُ " لَا تَقَعُ إلَّا عَلَى النِّسَاءِ ، لَمَا كَانَ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى " مِنْ النِّسَاءِ " مَعْنًى ، وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ
هَذَا ، فَصَحَّ أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ يَقَعُ عَلَى النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ ،
فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مُرَادَهُ هُنَالِكَ بِأَنْ قَالَ " مِنْ النِّسَاءِ " ،
وَأَجْمَلَ الْأَمْرَ فِي آيَةِ الْقَذْفِ إجْمَالًا ، قَالَ ابن حزم
رحمه الله : وَهَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ " .
انتهى من "المحلى" (12/227-228) .
وينظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12 /172) ،
و"التسهيل" لابن جزي (ص 1214) .
- وقيل : تخصيص النساء هنا لخصوص الواقعة ،
ومراعاة قصة كانت سبب نزول الآية ، ثم يكون الحكم
بالعلة الجامعة والمعنى المشترك الذي يمنع تخصيص النساء دون الرجال .
قال الألوسي رحمه الله :
" والظاهر أن المراد النساء المحصنات ، وعليه يكون
ثبوت وجوب جلد رامي المحصن بدلالة النص ، للقطع
بإلغاء الفارق ، وهو صفة الأنوثة ، واستقلال دفع عار ما
نسب إليه بالتأثير ؛ بحيث لا يتوقف فهمه على ثبوت
أهلية الاجتهاد ، وكذا ثبوت وجوب جلد رامية المحصن
أو المحصنة بتلك الدلالة ، وإلا فالذين يرمون للجمع
المذكر ، وتخصيص الذكور في جانب الرامي ، والإناث
في جانب المرمي ، لخصوص الواقعة " انتهى .
"تفسير الألوسي" (13 /327) . وينظر : "التحرير والتنوير" لابن عاشور (18 /159) .
والله تعالى أعلم .