ــ كثيراً ما يقع نظرنا على معالم كونية بديعة، كالبحر أو الشمس أو القمر أو الشجر، أو غير ذلك من الخلائق، لكنها لا تحرك فينا شيئاً ولا تستثير فينا رهبة ولا تذكراً، حتى اصبحت هذه المعالم الكونية العجيبة أمراً عادياً، وحتى لو أدركنا عملياً كثيراً من دقائق هذه المعالم وعظمها، وحتى إن رأيناها مفصلة أمامنا على الشاشة المرئية.
فالإلف والعادة هما السبب في حجب تلك الأحاسيس وهما السبب في خمول الروح ثم موتها وانقطاعها عن واقع الإنسان النفسي والاجتماعي وفي ذلك أضرار كبيرة.
والإسلام لم يفعل هذه القضية ..... قضية حياة الروح ونفذيتها وكسر حاجز الإلف والعادة بين الروح ومزاولتها لمهامها في النفس، ولذلك سلك منهجا فريداً، وحرّي ان يكون المنهج الفريد، لانه من صنع الخالق المبدع لهذا الكائن. بروحه وعقله ولحمه ودمه.
وعالج القرآن الألف والعادة بالدعوة الملحة للنظر و التفكير في كل صغيرة وكبيرة، ثم يدعو الإنسان للربط مباشرة دون تردد بصاحب الخلق والبدء في ذلك كله، ثم يدعوه مباشرة لترجمة هذه الاحاسيس إلى مراقبة لمن يستحق تلك المراقبة وبهذا تظل هذه المشاهد متجددة كلما وقع النظر عليها.
ودلائل منهج القرآن في ذلك تخرج عن حد الحصر ولكن نكتفي بذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر.
قوله تعالى: أن الله خالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون` فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم` وهو الذي جعل لكم النجوم لتهدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون... ( الأنعام: 95-97) .
وقوله تعالى: يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة ونقر في الأرحام ما نشاء إلى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم، ومنكم من يتوفى، ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً، وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج يهيج...(الحج: 5) .
وقوله تعالى: أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها...( الأنبياء:
وقوله تعالى: والليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس...(التكوير: 17-18).
وآيات كثيرة مبثوثة في القرآن مهمتها أيقاظ القلوب وتحريك المشاعر لله عز وجل، وأخراج الناس من الإلف والعادة إلى الربط بالله تعالى والتفكير في قدرته الخلاقة المبدعة حتى يكون هذا الكون بما فيه نقطة وصل بين الإنسان وربه.