مَسَاءً اليَاسمِّيِّينَ
بِسْمِ الْلَّهِ رَّبُّ الْقُلُوْبُ
وَ بِهِ نَسْتَعِيْنُ
مَنْ يُعِيدُ لِلْأَشْيَاءً بِرِيقِهَا الْأَوَّلِ
انْقّبُ
فِيْ دَهَالِيْزِ الْقُلُوْبِ
وَ عَلَىَ هَوَامِشِ الْأَرْوَاحُ
وَ فِيْ وُجُوْهِ الْمَفْقُوْدَةِ غَايَاتِهِمْ
عَنْ شَيْءٍ مَا أَكْبَرُ مِنْ حُلُمٍ
وَ أَكْثَرُ اتِّسَاعَا مِنْ وَطَنٍ
كَـ وَجْهِ جَدَّتِيْ
وَ مَا تَبَقَّىْ مِنْ عِطْرِهَا
فِيْ دَهَالِيْزِ الذَّاكِرَةِ
فَاصِلَة
لِنُؤْمِنَ بِأَنَّ الْنَّقَاءَ هُوَ ذَلِكَ الْشَّيْءُ الَّذَيْ
كَانَ يُرَافِقُ أَنْفَاسَ جَدَّتِيْ
وَ اخْتَفَىَ بِرَحِيْلَهَا
وَ أَيْضا كُلُّ خَطْوَةٍ عَلَىَ دَرْبِ الْحَيَاةِ
تَسْرِقُ الْكَثِيِرَ مِنْ مَلَامِحِ
الْجَمَالِ بِأَرْوَاحِنَا
عُدْتُ للتّوَ
لَا زَالَ مِعْطَفِيْ مُبْتَلَا بِالمَطرّ وَ الْحَسْرةً
كَانَتْ مَلَامَحُ الْطَّرِيْقِ حَزِيْنَةً قَلِقَةٌ
كَـ مَلَامِحِ أُمِّيَّ الْتَيْ أَثْقَلَتْنِيْ بِالْكَثِيْرِ مِنْ الْوَصَايَا
مَصَابِيْحُ الطَرِيقِ تَخْبُوَ كَـ أَحْلَامِنَا
وَ الدُرُوبْ تَتَنَهّدّ
كَـ أَمّلَ آَيِلٍ لِلْقَنُوطٍ
لَمْ تَتَوَهجِ جِبَاهُ الْأَرْصِفَةِ
كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ فِيْ كُلِّ الْمَسَاءَاتِ الْمَاطِرَةِ
أَعْمِدَةُ الْنُّوْرِ أُنْتُهِكَتْ
وَ شَيْءٌ مَّا يَفْتِكُ بِنُوْرِهَا مُعْتَمٌّ جِدّا
كَـ وُجُوْهِ الْسَّاسَةِ الْتَيْ تَغْتَالُ
أَجْسَادَ الْضَّيَاءِ بِطُّرَقَاتِنا
جَهُوَلا مَا وَشَىْ بِيَ لِأُمِّي قَائِلا
تِلْكَ الْضَّائِعَةُ أَجْزَاؤُهَا لَا تَبْتَسِمُ
وَ كَالْعَادَةِ تُصَدِّقُ أُمِّيَّ كُلَّ شَيْءٍ
كُلُّ شَيْءٍ حَتَّىَ الْكَذِبَ
هَــاتَفْتَنِيّ هَذَا الْصَّبَاحِ
كَانَ نِدَاؤُهَا دَافِئَا شَهِيّا
حَتَّىَ طَوَيْتُ كُلَّ مَهَامِيّ وَ أَسْرَعْتُ إِلَيْهَا
كَأَيِّ صَغِيْرةً تَائِهَةٍ فِيْ شَوَارِعٍ تَكْتَّظُ
بِالْمَارَةً لَمَحَتْ بَيْنَ وُجُوْهِ الْأَغْرَابِ
ضِيَاءً أَمْنا كَــ وَجْهِ أُمٍّ
حَيْنَ وَصَلْتُ وَجَدْتُ حُضْنَهَا مُشَرَّعَا قَبْلَ بَابِهَا
وَجَدُّتُ فِيْ حُجْرِهَا رَيْحَ طُّمَأْنِينَةً أشْتَقْتِهُ عُمْرَا
قَالَتْ لِمَ لِمَ لَا تَفَرِحيّ
وَ اجِبْتُ
لَا شَيْءَ يَسْتَحِقُّ يَا أُمِّيَّ لَا شَيْءَ
وَ هَذَا الْفَرَحُ الَّذِيْ تَدْعِيْنَنِيْ إِلَيْهِ
كَمْ سَيَطُوْلُ مُكُوثُهُ ؟!
كَمْ قَلْبِا سَيَبْكِيْ بُعَيْدَ رَحِيْلِهِ
أُمَّاهُ
نَسَجْتُ لِلْحَيَاةِ ثَوْبَا مِنَ خُيُوْطِ الْجَنَّةِ
لَّكِنَّهَا أَبَتْ إِلَا أَنْ تَبْقَىَ عَارِيِّةٌ
تُشَوِّهُ الْكَوْنَ بِجَسَدَهَا الْمُتَرْهَلَ وَ وَجْهُهَا
الْقَبِيحُ الَّذِيْ تَسْتُبْدِلَّهُ كُلَّ مَسَاءٍ
بِوُجُوْهٍ أَغْرَبَ وَ أَبْشَعِ
أَبْشَعُ مِنْ صَفْعَةِ يُتْمٍ تَأَتِيَ بِهَا جَنَازَةُ وَطَنْ
وَ أَغْرَبُ مِنْ نَهَارٍ أَبْتَلّعَ لَيْلُ الْظَّالِمِيْنَ شَمَسِهُ
.
الْأْخَرُونَ يَا أُمِّيَّ يَبْحَثُوْنَ فِيْ بَسْمَتِيّ
عَنْ فِردُوسِهُمْ الْمَفْقُوّدّ
لَنْ يَجِدُّوهُ وَ أَبَدا لَنْ يَفْعَلُوَا
قُوْتُ الْجِنَّانِ يَا أُمِّيَّ لَنْ تُنْجِبُهُ بَسْمَةٌ
مُسْتَهْلَكَةٌ أَضَعَهَا عَلَىَ وَجْهِيَ كُلَّ لِقَاءٍ
يَجْمَعُنِيْ بِـ تَائهِيّ الْسَّبِيلِ
ضَاقَ الْوَطَنُ يَا أُمِّيَّ ضَاقَ جِدّا
كَـ لَيْلِ مُدَانٍ بِجُرْمٍ لَمْ يَرْتَكِبْهُ
لَمْ يَعُدْ يَشْبَهُ حَضَنَ جَدَّتِيْ
الَّذِيْ كَانَ كَبِيْرَا جِدّا
يَتْسِعُ لِكُلِّ الْقُلُوْبُ الْيَتِيْمَةُ
بِلَا مَّنْ أَوْ أَذْىً
بِدَاخِلِيَّ يَا أُمِّيَّ
جُبِّ يَئِنُّ
أَخْشَىْ يَا أُمِّيَّ أَنْ تَسْرُقَ الْأَعْوَامِ صُوِّرَ ذَاكِرَتِيّ
وَ تَغِيْبُ مَلَامِحَ أَحْبَتِيْ إِخْوَتِيَ مِنْ مُخَيَّلَتِي
فَـ تَسْقُطُ أَسْمَاؤُهُمْ مِنْ دَفْتّرِ قَلْبِيْ
لَا زِّلْتُ يَا أُمِّيَّ أَفْتَقِدُ رَائِحَةَ الْخُبْزِ
وَ طَعْمَ الْطَّيِّبَةِ فِيْهِ
رَغِيْفُ الْيَوْمِ يَا أُمِّيَّ يَشْبَهُ مَذَاقٍ الْدَّوَاءِ وَ الْوَجْعْ
أَرْىَ بَصْمَةَ الْفَقْدِ فِيْهِ رُغْمَ ثَرَائِهِ ..!
جَائِعَةٌ أَنَا يَا أُمِّيَّ
وَ زَادُنَا أَكْثَرُ جُوْعا مِنِّيْ
أَشْتَهِيْ وَجْهَ جَدَّتِيْ وَ زَادَهَا المُتَبَلَ بِالْرِّضَا
أَشْتَهِيْهِ يَا أُمِّيَّ رُغْمَ فَاقِعٌ فَقْرَهُ ..!
كَانَ لَذِيُذَا حَدَّ الْفَرَّحَ ..!
وَ كَانَ يَكْفِيَ كُلَّ أَفْوَاهِنَا الْجَائِعَةِ
مِضْجَعِي يَا أُمِّيَّ اسْتَوْطَنَهُ الْشِّتَاءِ
وَ اسْتَعْمَرَتْ ثَعَابِيْنُ الْأَرَقِ وِسَادَتِيّ
بَرْدٌ فَاجِرٌ
احْتَلَّ فِرَاشِيْ تَعَابِيِرَ وَجْهِيَ
بَلْ تَوَغَّلَ أَكْثَرَ حَتَّىَ لَوَّنَ بِالصَقِيعُ مَلَامِحَ قَلْبِيْ
لَا أَشْعُرُ بِالْدِّفْءِ
أُوْقِدُ الْمَدَافِئٍ
أَلُوذُ بِالْدِّثَارِ
وَ لَا أَشْعُرُ بِالْدِّفْءِ
لُصُوْصُ الْأَمْنِ يَا أُمِّيَّ نَهَشَوْا مَنَافِذَ الِدِفْءَ
وَ أَحِالُوا مدَافِئْنا مَدَاخِنَ مُنْهَكَةً تَعِيثُ
فِيْ أَنْفَاسِنَا الْدُّخَانِ
حَتَّىَ التَّهِمْنا الْبَرْدِ وَ انْفَضَّ الْدِّفْءُ مِنْ حَوْلِنَا ..!
الأَمَانَةً يَا أُمِّيَّ تَسْتَجْدِيْ الجُهُوّلَ
حِفْظَا وَ لَا يُصْغِيَ
وَ أَمَانَةً أَنَا يَا أُمِّيَّ
وَ لَّكِنَّ الْجِبَالَ أَبَتْ أَنْ أَكْوَنَ بَيْنَ يَدَيُّهَا وَدِيْعَةً ..!
لَا زِّلْتُ يَا أُمِّيَّ أَحْفَظُ الجُهُوّلَ وَ يُضَيَعَنِيّ
لَا انْتِمَاءَ بَيْنِيْ وَ بَيْنَ الْأَشْيَاءُ يَا أُمِّيَّ
تَلْفِظُنِيْ الْأَمْاكِنُ
وَ لَا تَعْتَادُنِي الْأَزْمِنَةِ
ثِمَّةَ خَطَأً يَا أُمِّيَّ
فِيْ رَأْسِيٌّ وَ قَلْبِيْ
فِيْ أَعْمِدَةِ الْنُّوْرِ
مَلَامِحْ الْطَرِّيْقْ
وَ وُجُوْهٌ الْمَارَةً وَ أَشْوَاقِيْ لِجَدَّتِي ..!
شَيَّءٌ مَا يَا أُمِّيَّ تَغَيَّرَ
بَلْ أَحْسَبُهُ مَاتَ
شَيْءٌ ضَيَّعْتُهُ فِيْ رِحْلَةِ الْشَّقَاءِ وَ الْزَّيْفِ
شَيْءٌ كَبِيْرٌ جِدّا كَــ طُفُوْلَةِ قَلْبِ
نَادِرٌ جِدّا كَـ رَوْحِ بَسْمَةٍ
وَ طَيْفِ فَرَحِةٍ صَادِقَةً ..!
شَيْءٌ صَغِيْرٍ كَـ أُمْنِيَّةٍ مَا طَالَتْهَا أَيْدِيَ الْمُحَالِ
وَفِيٌّ جِدّا كَــ حُزْنٍ مَا فَاتَهُ
فَرْضَا مِنْ طُقُوّسِ الْوَجِعِ وَ الْدُّمُوْعْ
شَهِيٌّ جِدّا كَـ عِطْرِ الْمَطَّرْ
وَ حَدِيْثُ جَدَّتِيْ ..!
فِيْ قَبْضَةِ الْرُّوْحِ حَيْثُ تُسَبِّحُ الْحَيَاةُ
فِيْ جَسَدِيْ نَبْضَةً نَبْضَةٍ
وَ يُخْنَقُ الْبَيَاضُ فِيْ رُوْحِيْ شَهْقَةً شَهْقَةٌ ..!
كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ يَا أُمِّيَّ حَوْلِنَا
وَ فِيْ قُلُوْبِنَا
وَ وُجُوْهِنَا
يَعْتَرِيْهِ الْنَّقْصُ وَ يَبْقَىْ خَالِيَا مِنَ
الْكَمَالِ الْفَرَحِ وَ الْخُلُوْدُ
ثَرِيَّةُ الْحَظِّ أَنْا يَا أُمِّيَّ
فَلَا يَنْقِصُنّي شَيْئا سِوَىْ الْفَرَحِ ..!
وَ لِتَطْمَئُنِيّ يَا أُمِّيَّ
أَنْا أَبْتَسِمُ أَبْتَسِمُ كَثِيْرا
وَ بِـ شَهِيَّةٍ
فَقَطْ بِـ أَحْلَامِيِ ..!
وَ هَذَا كَافٍ كَافَ جِدَا يَا أُمِّيَّ ..!
كَذَلِكَ الِدِفْءَ الَّذِيْ أَثَلجتُهُ الْمَوَاقِدِ
فِيْ ذَاكِرَتِيّ أُنْشُوْدَةَ سُوَمَرِيةُ
وَ عِطْرُ بَابِلُيُّ
وَ رْقِيّةً أُمِّيَّ تَشْغِلُ سَمْعِيْ
بِوَجْدٍ مَمْسُوسٌ
فَلِأَيِّ فَرَحٍ مَشْلُوّلَ أَبْتَسِمُ
وَ لِأَيِّ أُهْزُوْجَةٍ خَرْسَاءً يَرْقُصُ قَلْبِيْ ..!
رَوٌَحَْ ِْآلَسَمَْآْءَِ