يقول العرب إن من يده في الماء ليس كمن يده في النار . ويقولون أيضا إن النار لا تحرق إلا رجل واطيها . وأظنكم تتفقون معي على أن من يحمل السم ليس كمن يأكله .
افهم أيها الأحباب أن يعيش البعض منا في عروش عالية فلا يشعرون بآلام المتألمين ولا بأحزان المحتاجين ولا بأنات البائسين لكنني لا أفهم كيف يتجاوزون العقل والمنطق فيلومون من يتألم ويحزن وييأس دون أن يسألوا عن الأسباب التي أوصلتهم لهذه الحال .
في الشهور الأخيرة مرت بنا قصص عن الانتحار وهي قصص لمواطنين أخوة يعيشون في وطنهم تائهين ضائعين محبطين .
مواطن يصعد إلى قمة إحدى البنايات ليقرر في لحظة ضعف (إيماني وإنساني) أن ينتحر لأنه لم يستطع تأمين قيمة كراس لابنته ومواطن آخر يفرغ الرصاص في رأسه لأن الديون لم ترحمه , وثالث يسكب البنزين ويحرق نفسه رغم انه يعيش في إحدى أغنى مدن العالم. وكلها قصص مأساوية لا نقرها كما لا يقرها ديننا الحنيف.
نقف عاجزين عن فعل شيء لإخواننا الذين لم يجدوا بابا يمرون من خلاله لعبور أزماتهم ولم يتمكنوا من لقاء طبيب نفساني يجلس معهم ويتحدث إليهم ليمنحهم الأمل في لحظة الألم ويشعل لهم المصباح لينير نفقهم المظلم .
نقرأ قصصهم ونتحدث في مجالسنا عنهم ولكننا لا نفعل شيئا غير الكلام. بل إن هناك من تجاوز حدود اللباقة وأراد أن يسجل صوته ولو على مآسي الآخرين ممن ابتلاهم الله بالمصائب والآلام ودفعتهم الحاجة إلى اليأس ومحاولة الانتحار . وبدلا من محاولة مساعدتهم والوقوف معهم يتهمهم بالبحث عن الشهرة والأضواء .
كلام خطير وغير مقبول فالرجال هم الذين يعرفون المعنى الحقيقي لمفهوم «قهر الرجال» أما الذين يستهترون بمشاكل الآخرين ويستخفون بقضاياهم ويتلاعبون بالألفاظ فإنهم لم يجربوا القهر في حياتهم ولا الحاجة لعائلاتهم .
ليت الذين يتنطعون بكلام ليس له معنى أن يجربوا الجلوس في بيوتهم بلا عمل بجيوب خاوية ومطالب طفولية محرجة وبالتزامات عائلية مستعجلة فهم لو مروا بهذه التجربة لفهموا كيف ينهار الرجل وكيف ييأس وكيف يضعف ولماذا هكذا يتصرف.
«استحوا» لو سمحتم ولا تقللوا من مصائب الآخرين ولا تستهينوا بحاجاتهم ولا ظروفهم وتعاملوا مع أولئك وأمثالهم بكل عطف وتعاطف وعون ولا تحطموا ما بقي لهم من الكرامة والكبرياء، فهم يستحقون من يفهمهم لا من يقودهم لمراكز الشرطة ليحقق معهم.
لست هنا ابحث عن تبريرات لمن يقدم على الانتحار أو حتى مجرد التفكير فيه فالله سبحانه وتعالى حرم قتل النفس وبشر من يفعل ذلك بجهنم خالدا فيها، ولكنني اطرح الأمر لأشجع مؤسسات المجتمع المدني للتحرك أكثر لمساعدة هؤلاء البائسين اليائيسن
منقوووول
العرض الشجري
