وداعاً أيها العام

رأيته يحزم حقائبه..ويلملم أغراضه مؤذناً بالرحيل..معلنا الوداع الذي لا بقاء بعده..ناديته والدموع تبلل وجنتي..أيها الراّحل..إلى أين السفر؟ أجبني..
تشاغل عنّي بتجميع حاجاته..
أعدت النداء...
أدار وجهه ونظر إليّ بحزن ونار الفراق تضطرم بين جنبيه..
وقال:أنا راحل إلى من ينتظر لقائي أنا راحل إلى...
قاطعته بصوتي: مهلاً فانصرافك أفجع القلوب..وكدّر النفوس...مهلاً فزلزال فراقك وفقدك يهدّ كياني ويؤرق خاطري..مهلاً أيها العام فلقد تراعنت عليّ نفسي خلال أيام...
كفاك يا هذه لوماً وعتاباً..وكأنني أنا الملام..أما كانت تتراءى لك دعوات هادفه..أما رأيت ولو زوبعاً من زوابع الحياة التي تقذف بالإنسان إلى حياة طيبة؟ وما كان ذلك إلاّ في أيام وشهور وساعات من لحظات عامك..فأين أنت يا هذه عنها؟
حزّ في نفسي تلك الفتن والبلابل والتشويش لدى الخاصة والعامة..أما رأيتِ كما شاهدت مخالفة صواب.. وأكل مالا يطاب ولبس ما يُعاب..ونسيان وتناسي ربّ الأرباب.
استشرى الداء العضال فنخر الجسد وأدمى القلب!!
تيه وضياع في غابة موحشة ملؤها الأكدار والأحزان لما اعترى من غفلة وخسران!!!



عفواً يا هذه إن أطلت فكشفت عن شجني..وشرحت ما رسم فيّ من خرائط حسرة عن حال أناس متهورين يسابقون الريح في درب الهلاك عفواً فلقد حان وقت رحيلي..لم تبقَ لي سوى لحظات ثم أمضي إلى سجل الأعوام السابقة من عمرك.فلتسارعي في ختمه بعودة إلى الله..توبي إليه..اسكبي الدمع بين يديه أعلنيها صراحة توبة بلا رجعة طاعة بعد حوبة..رجاء مغفرة ذي الكبرياء والعظمة..عسى ربكِ عز وجل أن يغفر توبتكِ ويعفو عن زلتكِ..فإنما الأعمال بالخواتيم وأوصيكِ بالعام القادم خيراً. استمسكي بلحظاته فإن كل لحظة تمضي منه لا ترجع إليكِ أبداً...وتكون إمّا شاهدة لكِ أو عليكِ..ولا تغتري بمظهره وتعلقي آمالك عليه..بل حققي بإيمانك بمولاكِ ولا تتغافلي عن النهاية.



تتعاقب أيام وليال..تنصرم شهور وأعوام..وهاهو مغيب شمس أيام عامنا قد أوشك على الاقتراب وآذن عامنا بالرحيل..
وإننا بانتزاع آخر ورقة من يوميتنا لعام 1429هـ..ننتزع حزمة من أيام عمرنا..لنطوي بها سجلنا الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة..ننتزع عمر مليء بالأحداث..شريط طويل عجيب اكتظ اكتظاظاً وأفعم إفعاماً بالحوادث المختلفة..والأحداث المتباينة والأعمال الحقيرة والجليلة ((منّا ومن غيرنا)) من الذين مرّوا أمام عدسة هذا الشريط بالصوت والصورة نودّع عاماً((360يوماً))ولا ندري أهو حجة لنا أم علينا؟ أهي الحسنات غلبت أم السيئات؟
نودع العام ولسنا ندري هل نحيا إلى العام القادم..أم العام القادم يحيا بعدنا؟
نودعه لنستقبل عاماً جديداً بأمل كبير وبأعمال صالحة توصلنا إلى مرضاة الله مابين استغفار..وسجود..وذكر ولنسارع في محاسبة النفس ومجاهدة الهوى.



عام مضى طوّحت فيه الأعاصير
والقلب باليأس والحرمان مغمور
قد كان يخشى صدوداً منك يقتله
فاستنفذ القلب صفح منك مبرور
عام جنيت على نفسي شقاوته
حتى كأني بطول العام مأسور




وقفات وقفات وقفات


*تطوى صحيفة عام كامل طويت كي تكون محفوظة عند الله تعالى يلقاها العبد يوم يلقاها نصب عينيه.. قال تعالى( ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً،اقرأ كتابك بنفسك اليوم عليك حسيبا) فما تذكر المؤمن هذه الذكرى إلاّ وتحركت في قلبه هذه الموعظة وانفطر من خشية الله وخاف من لقاء الله.



*ها نحن نودع عاماً انقضى وجزءاً من العمر قد مضى تولّت لحظاته، وبقيت أرياحه وتبعاته..فيا سعادة المتقي يوم لقاه.. ويا خسارة من شقي يوم ينظر المرء ما قدمت يداه وذهبت لذّة المعصية وحلاوتها وبقيت تبعتها ومرارتها..وذهب نصب العبادة وبقي عند الله ثوابها من الحسنى والزيادة...