هكذا الإحباط يؤثر في الإنسان بضغوطه, فيغير من مبادئه وأخلاقه ومفاهيمه, فالواقع الذي يعيشه ينحدر به إلى أسفل الأهداف في ظل البطالة, وندرة العمل المجزي, لذلك كان اللجوء إلى أسوأ الوسائل لتحقيق الأحلام.
ولكن هذا الإحباط المقيت لا يعرف طريقاً إلى ذوي العقول المقتدرة المبتكرة, والمبدعة الناضجة, فمن أشد المجتمعات فقراً وبطالة خرج إلينا الكثير من المخترعين والتجار والمفكرين وغيرهم, الذين أثروا الحضارة الإنسانية بإنجازاتهم النافعة.
ما رأيكم برجل جاءه المال جاهزاً, وجاءته الزوجة جاهزة, ومع ذلك رفضهما مع علمه بمشروعية أخذهما؟ من هو هذا الرجل الذي لو كان بمقياس رجل هذا الزمان لركض إليهما, وعض عليهما بالنواجذ, والحمد لله الذي سخرهما له دون كد في عمل أو مشقة... إنه الصحابي الجليل
عبد الرحمن بن عوف ( رضي الله عنه) أحد الصحابة السابقين إلى الإسلام, وأحد العشرة المبشرين بالجنة, كان تاجراً في الجاهلية, وعندما هاجر إلى المدينة المنورة, استولت قريش على ماله فلم يخرج إلا بدينه وبدنه, وما يستر جسده.
فلما قدم إلى المدينة المنورة, آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار, تلك المؤاخاة التي جعلت الأنصاري من أهل المدينة يتنازل لأخيه المهاجر من مكة طواعية عن شطر من ماله وزوجته إذا كانت له زوجتان.. وهذا الموقف حدث مع عبد الرحمن بن عوف الذي آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع (رضي الله عنهما) إذ يذكر لنا التاريخ في كتبه وسيرة برواية لأنس بن مالك (رضي الله عنه) قال سعد بن الربيع لعبد الرحمن بن عوف (( أخي أنا أكثر أهل المدينة مالاً فأنظر شطر مالي فخذه, وتحتي امرأتان فأنظر أيهما أعجب لك حتى أطلقها وتتزوجها)), فرد عبد الرحمن بن عوف يقول (( بارك الله لك في مالك وأهلك.. دلوني على السوق, ثم خرج إلى السوق فأشترى وباع وربح وصار من أشهر أغنياء الإسلام حتى سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له يوماً(( يا ابن عوف إنك من الأغنياء, وإنك ستدخل الجنة حبواً فأقرض الله يطلق لك قدميك)).
لست ضد الحلم الكبير أو الصغير, ولكن الأحلام ليست بالكلام ولا بالتمني ولا بالاستغلال, ولا بتعريض النفس وعزتها للبيع الرخيص وإهدار الكرامة, وإهراق ماء الوجه لتحقيق الحلم, فالإنسان الطموح يستطيع أن يحقق أحلامه بالصبر وتحديد الهدف والتخطيط السليم لبلوغه بالاجتهاد والكفاح والتثقيف المناسب حتى يسلك الإنسان طريقه المؤدي إلى بلوغ الغاية الشريفة, وبالوسائل المشروعة التي تجعل الحالم يشعر بالسعادة وهو يعمل ويجتهد ويسعى وراء تحقيق حلمه الأثير..