بِسم الله الرحمن الرحيم
سلآم من الله العلي القدير لـِ أنفـآسِكُم النقية ,
الأحبة جميعهم هنــا , وفي أماكن أخرى .,
صبـآحُكم حتى مسـآئُكم ينّبِضٌ بـِ الضوء , وَ يرفُل بـِ الجمـآل
وَ مـآبينهُما زُمراٌ من الطُهر ,.
موضوع بعنوان .~
الزمن عند الله سبحانة وتعالى ..!
[ ويستعجلونك بالعذاب و لن يخلف الله وعده ] [47]
من المشاكل النفسية التي يعالجها القرآن الحكيم في آياته المرة تلو الاخرى هي مشكلة الاغترار بالفرصة ، فترى الانسان يقول
عندما يرى الوان النعم تصب عليه : أين هو عذاب الله ؟ ولماذا لم يأت ؟ فيكفر بالعقاب أساسا لأنه يبطئ عليه .
لقد وعد الله بالعذاب وعدا حتما ، و لكن يعطي الانسان مهلة كافية لعله يكتشف خطأه ، و لو بعد حين ، فيتوب الى الله متابا
فاذا لم يكن للاعتراف و الاستغفار في قلبه محلا ، و حان اجله آنئذ لا يستقدم ساعة ولا يستأخر .
جاء في الدعاء :
(سبحانك ما اعجب ما اشهد به على نفسي ، و اعدده من مكتوم امـــري ، و اعجب من ذلك اناتك عني و ابطاؤك عن معاجلتي ، و ليس ذلك
من كرمي عليك ، بل تأنيا منك لي ، و تفضلا منك علي لان ارتدع عن معصيتك المسخطة ، و اقلع عن سيئاتي المخلقة ، و لان عفوك عني
احب اليك من عقوبتي ... ) .
[ و إن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ]
لو كان للزمن عند الله قيمة اذا لاهلكنا عند اول ذنب . و لكن الله الذي لا يقدر أحد على الفرار من حكومته ، ولا يفوته شيء في السموات
و الارض ، لا يبادر بالجزاء و يكون اليوم الواحد عنده كألف سنة .
(1) المصدر / ص 507
انه سبحانه ليس كما نحن ،اننا محددون بالزمان و المكان ، و علومنا و قدراتنا محدودة ، بينما الله على كل شيء قدير
و هو مهيمن على خلقه قادر على ان يقبض المكذبين متى شاء كيف شاء
فلماذا العجلة ، و انما يعجل من يخاف الفوت ، سبحانه ؟
ان تأخير العذاب ، و تلاشي قانون الزمن عند الله ، لا يعني ان العذاب لن يأتي ، فكم من امة اعطاها الله مهلة بالرغم من انها ظالمة
ثم أخذها بالعذاب حين حقت عليها كلمته .
[ و كأين من قرية أمليت لها و هي ظالمة ثم أخذتها و إلي المصير]
اين يذهب هؤلاء أو ليس الىالله ؟ بلى انه سبحانه لا يخشى الفوت ، و من لا يخشى الفوت لا يبادر بالانتقام
ان وظيفة الرسول هي تبليغ الرسالة للناس ، لتكون لهم نذيرا بين يدي عذاب شديد ان هم اصروا على المعصية
و بالرغم من ان الرسول بشير ايضا الا ان السياق أكد على جانب الانذار لان الاطار العام للحديث هنا التكذيب و العذاب
[ قل يا ايها الناس إنما أنا لكم نذير مبين ]
[ فالذين ءامنوا و عملوا الصالحات لهم مغفرة و رزق كريم] [50]
من يقف بجانب الرسالة و يؤمن بها و بالرسول و يعمل الصالح بموجبها ، فانه يفوز بجائزتين:
اولهما المغفرة و حط الذنوب ، و ثانيهما الرزق الكريم ، انها جائزة معنوية تتمثل في التطهير من الذنوب و أخرى مادية و هي الرزق الكريم
اي يوفر كرامة الانسان ذلك لأن من الرزق ما يذهب بها ، و يسبب له الهوان .
و ليس في الآية ما يدل على الآخرة فقط بل يشمل الدنيا أيضا
ذلك ان المغفرة و كفران الذنوب و تطهير الواقع الفردي و الاجتماعي من آثار الانحراف و الفساد ، و تزكية النفس من قذر العقد و الاحقاد
ان كل ذلك نعمة عظيمة يسبغها الله على المؤمنين في الدنيا ايضا .
كذلك الرزق الكريم يوفره الله لعباده المؤمنين ، الذين يرفضون الخضوع لاصحاب السلطة و الثروة ، و يتعالون على الذلة و الهوان
او لم يقل ربنا سبحانه :
" و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب " ؟
[و الذين سعوا في ءاياتنا معاجزين أولئك اصحاب الجحيم ] [51]
اولئك الذين يبذلون قصارى جهدهم في سبيل تعجيز آيات الله ، حسب ظنهم ، اي عرقلة مسيرتها ، و تعويق تطبيقها ، و تحديها و التكذيب بها
أو تأويلها ، انهم اصحاب الجحيم .
و يسعى هؤلاء نحو الحاق العجز بالآيات ، بتحديها و مواجهتها ، فهم بعكس المؤمنين الذين يسلمون بالآيات ، و يقولون :
كل من عند ربنا بلا مكابرة و لا جدال .
و يدخل ضمن هؤلاء :
اولئك الذين يكذبون بالآيات رأسا .
و اولئــك الذين يأولونها و يحرفون مواضعها ، مثل خدم السلاطين من علماء السوء .
و اولئك الذين يعوقون تطبيقها كالحكام الظلمة و اولئك الذين يحبسونها في حدود ضيقة
و كلمة " معاجزين " من معاجزة ، على وزن مفاعلة و هي صرف الشيء عن وجهه .
و الانسان الذي لا يريد ان يطبق أوامر الله و شريعته يبدأ بتأويل الآيات القرآنية المحتوية على الاحكام و الشرائع فيبعدها عن مقاصدها
و هذه هي المعاجزة .
يؤكد القرآن مثلا على محاربة الطاغوت ، اما المعاجز فيقول : صحيح ان القرآن يؤكد علىمحاربة الطاغوت
و لكن الطاغوت المقصود في القرآن هم ( فرعون ، نمرود .. )
و ليس هؤلاء طغاة اليوم ، و القرآن يحرم الربا ، و يقول المعاجز انما نأخذ الفائدة .
ان الآيات من الوضوح بحيث لم تدع سبيلا لتحريف مدلولاتها ، ان الطاغوت هو الطاغوت
و لا سبيل الى التستر عليه بعد ان سلطت عليه الآيات القرآنية الاضواء الكاشفة ، ففرعون قال :
انا ربكم الأعلى ، و فلان ( ... ) حاكم قال مثل ذلك بعمله و تصرفاته . و هما سواء ، كما انه لا فرق بين الفائدة و الربا .
ان في القرآن الحكيم العلاج الناجح لأدواء الانسان و امراضه
فالقرآن لا يشير الى العلاج فقط ، بل و يقوم ايضا بمعالجة الانسان مباشرة
بشرط ان يتفاعل مع آياته ولا يعاجزها فيزداد مرضا على مرض .
تفسير القران الكريم الجزء الثامن
اية الله العظمى محمد تقي المدرسي