ابنتان تلقيان بأمهما في الشارع

وللجحود قلوب قدت من صخر

ابنتان تلقيان بأمهما في الشارع لتظل بلا مأوى أو إعاشة لأربعة أشهر






ربما كانت دليلا دافعا على قرب انتهاء الزمان، حيث لا قيمة ولا اخلاق ولا اعراف، فكل شيء اصبح مباحا، وكل قيمة انسانية اختفت امام جبروت العصر ذي القلب الصخري، والعيون التي لا تنفتح الا على اخبار القتل والدمار، والغش والخيانة، والعقول التي ارتضى اصحابها ان يضعوها على الارصفة بضاعة كاسدة بعد ان تحول العالم الى غابة او يكاد.

وهل هناك اصعب على النفس مما يحدث من ابناء تجاه من انجبوهم، وهل هناك اشق على الانسان من قصص الجحود والنكران والعقوق التي باتت تملأ صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات.
ليس اصعب على ام من ان تجد نفسها مرمية في الشارع لا من خصم للاسرة، او من عدو غاز، ولكن من فلذات اكبادها الذين افنت سنوات عمرها في تربيتهم ورعايتهم.


هذا هو واقع الحال المؤسف والمخجل لام لسيدتين كويتيتين في العقد الثالث من عمرهما وجدها مواطن يدعى »أبوعلي« نائمة في سيارتها ليلا في احدى الواجهات البحرية، وعرف منها هو وزوجته انها ـ هذه الام ـ كانت تقضي نهارها في المجمعات والشوارع والمساجد ليرق قلب الرجل الذي لا تربطه بها ادنى صلة بعد ان اهملها من هم من دمها كما يقولون.

التفاصيل التي روتها الام المسكينة لـ »الوطن« اثناء وجودها بين افراد اسرة »ابوعلي« تكاد تكون عنوانا وتفاصيل لفيلم مأساوي تفننت في كتابته واخراجه سيدتان لم تعرفا ادنى اعراف العلاقات الانسانية فضلا عن حق صلة الدم بأمهما التي افنت عمرها في سبيلهما.



أوضحت الام المسكينة انها ارملة وكانت دائما تعاني سوء المعاملة من قبل ابنتها المطلقة التي تبلغ من العمر 38 عاما وان ابنتها التي كانت تسكن عندها في بيتها الخاص كانت دائما تتجاهلها وتقسو عليها سواء بالفعل أو بالقول حتى وصل الامر بأن تحرمها من الجلوس مع احفادها وتجعلها ايضا تنام في المطبخ.

وتساءلت الام في حسرة: هل توجد بنات يعاملن امهن بهذه الطريقة السيئة؟
وبخصوص ابنتها الاخرى التي تبلغ من العمر 37 عاما اكدت الأم انها لا تعرف عنها شيئا، وان الاتصال معها انقطع منذ ان تزوجت قبل عشر سنوات.


ولفتت الام المسكينة الى ان الامور مع ابنتها الكبرى تطورت حتى وصل الأمر بها الى عدم رغبتها في وجود والدتها معها في المنزل وهذا ما دفعها للخروج من المنزل رغم عدم وجود أي اقارب لها.
وأضافت: منذ ان تركت المنزل وحتى يومنا هذا لم تقم أي من بنتي بالاتصال بي ومعرفة احوالي ولا اعرف ما الذي جرى لهما، لا اعرف لماذا تكرهانني؟

ووصفت المسكينة جدولها اليومي منذ أن طردتها ابنتها من المنزل قبل 4 شهور بالجحيم، حيث تصلي الفجر وتقرأ القرآن ثم تنام في السيارة في مواقف السيارات لاحدى الواجهات البحرية حتى تشرق الشمس وتبدأ معها الحرارة بالارتفاع تدريجيا فلا تستطيع مع ارتفاع الحرارة اكمال نومها.


وأشارت إلى انها تدور بالشوارع وتنتظر حتى تفتح المجمعات التجارية أبوابها لتدخلها وتحتمي من حرارة الطقس وسوء الأحوال الجوية، مضيفة انها كانت تقضي يومها كاملا تقريبا في تلك المجمعات بالتجول والجلوس في استراحات المطاعم أو بالاستلقاء بالمسجد المجمع بعد اداء كل صلاة وتعود مرة اخرى إلى الشارع بعد أن تقفل المجمعات أبوابها حيث تتوجه الى احدى الواجهات البحرية من جديد وتختار احدى الزوايا البعيدة عن أعين المارة لتصلي أو تقرأ القرآن على أن يعود جدول يومها المعتاد من جديد مع شروق شمس الصباح التالي.


وأوضحت الأم المسكينة أنها اتجهت للعديد من الجهات الرسمية لمساعدتها والوقوف بجانبها سواء بتقديم مساعدة مالية أو بتوفير سكن لها، لكن كل الجهات التي اتجهت إليها رفضت مساعدتها كونها سيدة غير كويتية أو أن هناك اجراءات يجب استيفاؤها قبل مساعدتها لها متسائلة لماذا كل هذا التجاهل من قبل تلك الجهات لها بالرغم من أنها متزوجة منذ 1965 من زوج كويتي الجنسية وابناؤها يحملون الجنسية الكويتية.


وفجأة فتحت الأم حقيبتها لتخرج منها كيسا من الخبز اليابس وتمرا وهي تذرف الدموع قائلة »هذا هو طعامي طيلة الأربعة شهور التي قضيتها بالشارع« وهنا دخلت »أم علي« في الحوار مؤكدة انها لم تجد أثناء الاطلاع على سيارتها وحقيبتها سوى الخبز اليابس والتمر وعلب الماء الفارغة التي تدل أنها كانت صائمة طوال تلك الفترة.

واشارت »أم علي« الى ان حالة هذه الوالدة المسكينة وهي تجلس لوحدها في احدى الواجهات البحرية كانت »تكسر الخاطر« وهذا ما دفعها الى الحديث معها حول سبب وجودها بهذه الطريقة هنا.
واضافت بانها صدمت عندما عرفت قصتها مع بنتيها وهذا ما دفعها أن تعرض عليها الاقامة مع اسرتها في منزلها الخاص حتى يتم التوصل لحل لمأساتها.


بدوره اوضح ابو علي ان هذه الوالدة المسكينة كان شكلها لافتا للنظر خصوصا انها تجلس لوحدها وفي مكان معزول وهي تقرأ القرآن، واضاف: رفضت الحديث في بادئ الأمر معها الا ان اصراره هو وزوجته دفعها بالبكاء فجأة ومن ثم بدأت في سرد قصتها المحزنة، مستغربا في الوقت نفسه من قدرة هذه الأم كونها امرأة بان تظل طوال هذه الفترة في الشارع ومن دون أي معيل او مكان يسترها.
واستنكر ابو علي بشدة هذا التصرف البعيد عن الاخلاق والدين والذي لا يرضي به أي انسان سواء أكان مسلما أم غير مسلم من هاتين السيدتين تجاه أمهما.

كما أعرب عن استيائه لعدم وقوف أي جهة أو مؤسسة حكومية مع محنتها وتجاهلها لها باسباب وأعذار غريبة وواهية. مطالبا الجهات الرسمية بضرورة التدخل لانهاء مأساة هذه الأم المسكينة خصوصا كونها امرأة لها احتياجات معينة وخاصة يجب ان يتم توفيرها لها، قائلاً »صحيح اني ساعدتها من خلال مكوثها في منزل اسرتي وهي انسان غريبة عنا ولكن الى متى ستظل عندي؟ ومن المسؤول في حال تدهور حالتها الصحة؟


الوطن