رحمك الله يا مقبل ..
في هذا اليوم ستدفنك الايدي التي كانت يوماً من الايام ترتفع بالدعاء عليك، وكانت تكتب الشكاوي والمعاريض تجاهك في محاوله منهم لقتل عملك الانساني .. لا شئ يريدونه سواء إبعادك عن الطب وعن عملك النبيل .. كنت أول طبيب حايلي مخلص لمنطقتة، يصر ويرفض على أن لايعمل إلى في حائل .. احببت حائل التي احببتك .. لم تكن مثل اولئك الغرانيق الذين يعيشون في الرياض، ولا يعرفون عن حائل إلا الاسم، تجدهم يترززون بالبشوت وأمام الامير في كل المناسبات .. أم أنت فكنت ترتدي البالطوا بين الاسياب، حتى في منزلك وضعت البيجر عند رأسك .. هنا يظهر الفرق .. كنت سيد التواضع فمؤهلاتك العلمية لا تقارن بهم، كنت اعلى منهم وستظل بقلوبنا..
سوف تجد النعيم بإذن الله امامك .. ولن تضيرك تلك الإيادي بشئ؛ لأنهم لم يشاهدوا ماذا فعلت في المستشفى ..
لنبدأ الحكاية معك يا بومفرح، هل تتذكر عندما أنهيت درجة الاستاذية قادماُ من المانيا بعد حصولك على الدكتوراة، هل تتذكر تلك النظرات التي كادت أن تحبطك، لكنك واصلت وصمدت أمام بذرة مجتمعنا المتخلف الذي كان مختلفاً معك تماماً، ليس لأنك طبيب، ولا استشاري نساء وولادة، ولا لأنك قصير القامة .. السبب هو أنك شمري ومن حائل!
هل تتذكر تلك العجوز التي قالت لك: مقبل وحسافة الشمرية عليك وأنت تتفرج على ...... الحريم! ورغم هذا صمدت وعالجت الناس بصمت وتفان وإخلاص ..
ودعني اذكرك عندما جاء ذلك المطوع المتجهم والذي طالب الناس والامارة بأن ينقلونك من حائل أو أنك تترك الطب وتمارس عمل توقيع الاوراق .. هل تتذكر جيداً عندما مرضت زوجته؛ وعندما سئل ودار وجرب كل الاطباء في حائل، جاءك على استحياء طالباً منك العلاج لزوجته، وكنت المتسامح اللطيف الودود الذي لا يحقن الشر في جوفه ..
والشئ المبهج هو عندما تغالبت الضباع عليك، وطلبوا رحيلك عاجلا بتدخل من جهات لا تعرف بالطب سواء (نفذ ولا تناقش) كانت صدمة لهم بأن جميع مستشفيات الرياض الكبرى رحبت بك وبراتب ضعف ما تستلم .. أيه يا مقبل كم اعجبتني عباراتك التي قلتها بصوت عالي كانت صداها في أذان الضباع ( كيف أصير إداري والوزارة ابتعثتني إلى المانيا لكي اصبح استشاري نساء ولاودة مو استشاري صادر و وارد).
كنتُ أتمنى أنهم شاهدوك عندما أمسكت بإذن الطبيب المصري الذي كان يستمتع بتقطيع أذان الاطفال بعد العمليات القيصرية، وكان أهل حائل يعتقدون أن ما يحدث في أذان اطفالهم هو عيب خلقي!!
هل تتذكر يا مفرح عندما كنت في العمليات تقوم بتعقيم بطن تلك السيدة، وعندما ظهر وجهها؛ اتلفت تعقيم يدك بأن غطيت وجهها، والذين حولك لم يفعلوا شئ ..
ماذا اقول وماذا افعل امام قامتك العلمية .. كنت الشمعة المضيئة في مستشفياتنا، وكنت الذي نلجئ إليه بعد الله لحل ازمتنا من تلاعب الوافدين بنسائنا .. سيبتهج الاطباء الاوغاد، الذين كانوا يخافون من مرورك بين الاسياب، لأنك الوحيد القادر على إيقافهم ..
آه يا مقبل التراب يتناثر عليك هذا اليوم .. وهذه الليلة الاولى في حياتك الجديدة، اسئل الله أن يلهمك الصبر والثبات .. ولكن لا تحزن يا صاحبي، فكل صرخة طفل خرجت بين يديك منذ لبست القفازات حتى أخر لحظة قررت أن تتقاعد سوف ترفع يديها بالدعاء لك .. كل أم لم ترزق بطفل إلا على يدك سوف تدعوا لك .. لا تخف يا بو مفرح فالايادي الخبيثة التي حاولت تلطيخ سمعتك، على الرغم من طول لحاهم لن تضرك بشئ .. اتدري لماذا لأن نيتك صافية وطاهرة، ولأنك الطبيب الانسان ..
نسيت أن أقول لك شئ يا مقبل ليتك أخذت نصيحة الذين سبقوك وهاجرت حائل، لكنت الآن من اصحاب البشوت المطرزة التي في كل محفل تتبهرج، ولكنت صاحب المال والبرستيج والبيوقراطية التي تنشئ مع الاطباء .. ولكنك رفضت بقوة والسبب هو أنك تحب حائل، وتحب أن تخدم حائل بالفعل والقول لا بالترزز والتملق .. أن قدر الزمان لنا والله لا نرد إليك الجميل .. ولكن أعذرني يا مقبل الجميل لن يكون على شكل تغيير مسمى المكتبة الطبية بأسمك، أو أحد الشوراع باسمك، أو أنشاء جائزة طبية بأسمك، او على الاقل نضع ممر في المستشفى باسمك ..
كل هذا لن يحدث لأنك دخلت بصمت وخرجت بصمت؛ ولم تكن من المهاجرين الاوائل المتملقين .. ولكن تذكر جيداً أننا نحبك وندعوا لك وستصبح الطبيب الحايلي الوحيد المخلص..
رحمك الله رحمه واسعة
العرض الشجري
