( ازهد في الدنيا يحبّك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس ) .
[align=center][tabletext="width:70%;background-color:black;"][cell="filter:;"][align=center]
عــــن
[/align][/cell][/tabletext][/align]
[align=center][tabletext="width:100%;background-color:silver;"][cell="filter:;"][align=center]
أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال :
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
يا رسول الله ، دلّني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبّني الناس ،
فقال :
( ازهد في الدنيا يحبّك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس ) .
الشرح
الإنسان اجتماعي بطبعه ، يحبّ أن يأنس بالناس ،
وأن يأنس به الناس ، كما يعجبه أن يكون محبوبا في مجتمعه ،
محترما في بيئته ، لذا فهو يسعى دائما لكسب ود الناس وحبهم ،
والعاقل من البشر من يسعى لرضى ربّ الناس قبل سعيه
في كسب رضى الناس .
ولا شك أن لنيل محبّة الله ثم محبّة الناس سبيل وطريق ،
من حاد عنه ، خسر تلك المحبّة ، ومن سلكه فاز بها ،
وأنس بلذتها ، ولذلك أورد الإمام النووي رحمه الله هذا الحديث ،
ليكون معلما ومرشدا ،
وليبيّن لنا الكيفية التي ينال بها العبد محبة ربّه ومحبة خلقه .
إن محبّة الخالق للعبد منزلة عظيمة ، فهي مفتاح السعادة ، وباب الخير ،
ولذلك فإنها لا تُنال بمجرّد الأماني ، ولكنها تحتاج من العبد إلى الجدّ والاجتهاد في الوصول إلى هذه الغاية ،
وقد جاء في الكتاب والسنة بيان للعديد من الطرق التي تقرّب
العبد من مولاه وخالقه ، وتجعله أهلا لنيل رضاه ومحبته ،
وكان من جملتها ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث
من التخلق بخلق الزهد .
والزهد هو قصر الأمل في الدنيا ،
وعدم الحزن على ما فات منها ،
وقد تنوعت عبارات السلف في التعبير عنه ،
وأجمع تعريف للزهد هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
حيث قال : "
الزهد: هو ترك ما لا ينفع في الآخرة " ، وهذا يشمل ترك ما يضر ،
وترك ما لا ينفع ولا يضر .
ولا يفهم مما سبق أن الأخذ من طيبات الحياة الدنيا على قدر الحاجة
ينافي معنى الزهد ، فقد كان من الصحابة من كانت لديه الأموال الكثيرة ،
والتجارات العديدة ،
كأمثال أبي بكر الصديق و عثمان بن عفان و عبدالرحمن بن عوف
رضي الله عنهم أجمعين ، لكن هذه التجارات وتلك الأموال كانت في أيديهم ،
ولم تكن في قلوبهم ، ولهذا ترى الصحابة رضي الله عنهم في باب الصدقة ،
ومساعدة المحتاج ، والإنفاق في سبيل الله ،
تراهم كمطر الخير الذي يعطي ولا يمنع ، ويسقي حتى يُشبِع .
وعلى هذا فإن حقيقة الزهد : أن تجعل الدنيا في يدك لا في قلبك ،
فإذا كان العبد مقبلا على ربّه ، مبتعدا عن الحرام ،
مستعينا بشيء من المباحات ، فذلك هو الزهد الذي يدعو إليه الحديث ،
وصدق بشر رحمه الله إذ يقول : "
ليس الزهد في الدنيا تركها ، إنما الزهد أن يُزهد في كل ما سوى الله تعالى ،
هذا داود و سليمان عليهما السلام
قد ملكا الدنيا ، وكانا عند الله من الزاهدين " .
ولقد وعى سلفنا الصالح تلك المعاني ،
وقدروها حقّ قدرها ،
فترجموها إلى مواقف مشرفة نقل التاريخ لنا كثيرا منها ،
وكان حالهم ما قاله الحسن البصري رحمه الله : "
أدركت أقواما وصحبت طوائف ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا إذا أقبل ،
ولا يأسفون على شيء منها إذا أدبر ،
وكانت في أعينهم أهون من التراب " .
لقد نظروا إليها بعين البصيرة ، ووضعوا نُصب أعينهم قول الله تعالى :
{ يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور }
:
{ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح }
فهانت عليهم الدنيا بكلّ ما فيها ،
واتخذوها مطيّة للآخرة ، وسبيلاً إلى الجنّة .
ثم يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم السبيل إلى محبة الناس فقال :
( وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس ) ،
ومعنى ذلك : ألا يكون القلب متعلقا بما في أيدي الناس من نعيم الدنيا ،
فإذا فعل العبد ذلك ، مالت إليه قلوب الناس ،
وأحبته نفوسهم .
والسرّ في ذلك أن القلوب مجبولة على حب الدنيا ،
وهذا الحب يبعثها على بغض من نازعها في أمرها ،
فإذا تعفف العبد عما في أيدي الناس ،
عظم في أعينهم ؛ لركونهم إلى جانبه ، وأمنهم من حقده وحسده .
فما أعظم هذه الوصية النبوية ،
وما أشد حاجتنا إلى فهمها ، والعمل بمقتضاها ،
حتى ننال بذلك المحبة بجميع صورها .
[/align][/cell][/tabletext][/align]
آخر تعديل ظل السحاب يوم 12-08-2013 في 02:41 PM.
|