الدش يغزو مساجد المغرب

في إطار ما أسمته "إصلاح الحقل الديني"، تقوم وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية منذ فبراير الماضي بتزويد مساجد المغرب بأجهزة التلفاز وصحون الاستقبال بهدف تجويد أداء الوعظ، وفتح المساجد أمام المواطنين للتعلم والتربية.

وقد بدأت العملية بمدن الرباط والدار البيضاء ومراكش ووجدة، على أن تعمم التجربة على باقي المدن المغربية مستقبلاً.

طرائف مسلية وتساؤلات كثيرة نسجت حول هذا التحديث الإلكتروني للمساجد، في ظل غياب تفسيرات من الجهات الوصية حول كيفية الاستعمال والأهداف المرجوة.

مشهد يبدو غريبًا عما ألفه الناس: تلفاز يحتل واجهة متميزة أمام المصلين، ومتصل بصحن مثبت على سطح المسجد، وتساؤل ظريف حول شرعية ما إذا أراد المرتادون للمسجد مشاهدة ما يجذب عادة مثل مباريات كرة القدم أو غيرها، بدل متابعة وعظ قناة محمد السادس أو برامج القناة الرابعة التي تقدم برامج تربوية وتعليمية تثقيفية.

غاية المشروع وأهدافه

في الدورة الثالثة للمجلس العلمي الأعلى التي عقدت يومي الجمعة والسبت 31 مارس وفاتح إبريل 2006، اغتنم وزير الأوقاف والشئون الإسلامية المغربي أحمد التوفيق المناسبة ليقدم لرؤساء المجالس العلمية بعض الإشارات الموضحة للغاية من التجهيز الإعلامي للمساجد.

فقد أشار الوزير أحمد التوفيق في سياق حديثه أثناء الجلسة الافتتاحية عن تدعيم الحضور الإعلامي للوزارة بربط المساجد بالقناة السادسة التي تختص بالقرآن وعلومه في غير أوقات الصلوات استجابة للنقص الحاصل في مجال الوعظ، فالوسائل العادية والتقليدية لا تفي بالمطلوب بالنظر إلى شساعة جغرافية المناطق التابعة للمجالس العلمية، كما أنها غير مضمونة الجودة والمردودية، على حد قول الوزير.

بيد أن التوفيق ألمح إلى أن هذه التجربة رغم ما فيها من مخاطرة، ستكون تجربة ناجحة، كما أنها لا تغني عن الوعظ العادي، بل هي ترقية لمهمة الوعاظ وتحسين لمضمون وعظهم؛ إذ يمكن الاستفادة من الوعظ المبث مركزيًّا وشرحه في مساجد أخرى، حتى لا يكون الوعاظ في واد والشأن الديني في واد مضمونًا وأهمية.

وزاد الوزير شارحًا أنه سيتم تزويد بعض المساجد بآلات تسجيل تمكِّن العلماء من إيصال وعظهم إلى المناطق النائية لربط التصور في إصلاح الشأن الديني بالواقع، وفتح المساجد بين الظهر والعصر بإذاعة الوعظ المركزي، وإعادة بثه بين العشاءين، ولا عيب أن تنطلق التجربة صغيرة ثم تكبر، مانحًا المجالس العلمية سبعين يومًا لاقتراح مواضيع مناسبة تصورًا ومضمونًا وإعدادًا.

بعض أعضاء المجالس العلمية، الموكول إليهم تفعيل هذه المبادرة، ينتظرون -في غياب توضيحات كتابية- طريقة التسيير والحكمة منها، يقول أحد هؤلاء الأعضاء: "سمعنا أن الوزارة وضعت أجهزة تلفاز في بعض المساجد التابعة لنفوذ المجلس، دون أن نعرف الحكمة من ذلك أو طريقة تسييرها".

تحويل الاتجاه ممكن

ألِف المواطنون عبر وسائل الإعلام، في حالة انسداد الطرق بسبب الثلوج أو القيام بإصلاحات، عبارة "تغيير الاتجاه ممكن"، واعتبارها شعاع أمل لحل مشكلات الطرق، وهذا ما ينطبق بوجه من الوجوه في مبادرة للجمعية المغربية للأساتذة الباحثين في الدروس الحسنية في التعامل مع هذه التجهيزات دون انتظار توجيهات الوزارة المعنية، فقد قامت بإعادة بث ومشاهدة الدروس الحسنية التي تلقَى كل رمضان بالمغرب، داخل المساجد.

فالجمعية قامت بتفعيل شراكتها مع المجلس العلمي لجهة الدار البيضاء ومندوبية الشئون الإسلامية بالتوظيف الإيجابي لهذه الأجهزة، فقامت بمبادرة ذاتية بمسجد "اقرأ" بحي النور التابع لعمالة مقاطعات مولاي رشيد، تجلت في إذاعة الدروس الحسنية.

وفي الاتجاه نفسه يؤكد الأستاذ محمد حمدو، رئيس الجمعية المغربية للأساتذة الباحثين في الدروس الحسنية، أن الهدف الأساسي هو الإسهام في تجديد تواصل الناس مع هذه الدروس واستمرار الاحتكاك بها، خاصة أنها عرفت مشاركة ثلة من خيرة علماء العالم الإسلامي. وإعادة بثها هو ترسيخ لمضامين وقيم هذه الدروس في نفوس المصلين، والعمل على إحياء الجو الروحي الذي تلقى فيه.

المشكل مادي أيضًا

الأخبار الواردة في شأن عملية شراء التجهيزات تفيد أنها ستكلف أموالاً طائلة، فالعقد الذي أبرم مع شركة "جولد فيزيون" تدفع بموجبه وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية 3 آلاف درهم عن كل جهاز تلفزيون.

لكن المشكل بالنسبة لعبد الله من مدينة سلا، القريبة من العاصمة الرباط الذي تحدث إلينا بنبرة قلقة من حجم الصفقة، أن هناك مجالات عديدة تستوجب صرف هذه المبالغ المالية لتوفير الأشياء الضرورية للمساجد من زرابي واهتمام بالقيمين الدينيين، وقال: "هناك عمليات إصلاح وترميم لبعض المساجد متوقفة في المراحل الأخيرة، ويجد المتطوعون المكلفون بجمع التبرعات الإحسانية لها عنتًا كبيرًا، وبعضهم أصبح مثل المتسول، فمراسلات سكان حي الرحمة وبطانة بسلا ينتظرون من الوزارة الوصية التعجيل ببناء مساجد تخفف الضغط على بعض المساجد أو القاعات أو حتى منازل معدة للصلاة للحاجة والضرورة. فقد كان من الأولى أن يشيد من المساجد ما يستجيب لحاجات السكان ويخفف مشقة التنقل عن العجزة وكبار السن".

تسويق خارجي للإصلاح

أما بالنسبة لأحمد، شاب في أواسط الثلاثينيات من العمر، يظهر من لحيته أنه شاب متدين، فقد بادر بالإجابة عندما سألناه عن الفائدة من تجهيز المساجد بالتجهيزات الإلكترونية بطرح مجموعة من التساؤلات الجديدة منها: "ما الضمانات التي وضعتها الوزارة لترشيد استعمال هذه الأجهزة؟ وهل وفرت الضروريات للمساجد وحسنت وضعية الأئمة والقيمين الدينيين قبل أن تفعل هذا؟".

لكنه لا يلبث أن يجيب عنها من تلقاء ذاته بالقول: "أظن -والله أعلم- أن هذه المبادرة هي للتسويق الخارجي، فهذه العملية تقول للغربيين: انظروا إلى ما نفعله لتحديث وإصلاح الحقل الديني والقضاء على الأفكار المنغلقة في الأوساط الدينية، فها هي الوسائل المتطورة توجد إلى جوار المنبر؟".

وبنظرة لا تخلو من قلق وتوجس، يضيف أحمد: "وحسب وجهة نظري فهذه البادرة تشبه ربط المؤسسات التعليمية بالإنترنت، فلا التلاميذ استفادوا منها استفادة كبيرة، ولا الوزارة حققت أهدافها المسطرة، ولكن المهم أن الغربيين عرفوا أننا قمنا بهذه العملية، وليس المهم هو حجم الاستفادة منها!".

قيمون خائفون

أحد القيمين الدينيين بالرباط بدا متبرمًا ومنفعلاً عندما سألناه عن الموضوع، وقال: "هذا يدعو إلى الاستغراب، فبلادنا تحاول أن تقلد بعض الدول الخليجية، مثل السعودية والكويت والإمارات، كما أخبرني أحد الأصدقاء، لكن هل نشكو من قلة الوعاظ في بلادنا؟ خاصة أن عددًا هائلاً من أساتذة الدراسات الإسلامية والخريجين من الشريعة وغيرها لم يتم بعد توظيف طاقاتهم في هذا الاتجاه".

وأبدى تخوفه من أن يطال المتطوعين الإهمال أو الحيف بحرمانهم من إلقاء الدروس الدينية التي تعودوا على إعطائها خلال حصص مخصصة، كمناسبة الحج والأعياد الدينية وشهر رمضان؛ بسبب قلة الحاصلين منهم على التزكية من المجالس العلمية.

أما رشيد، باحث في العلوم الاجتماعية فقد استغرب الفكرة، وقال: "إن المكان ينبغي أن تبقى له قدسيته، وأن الانفتاح لا يكون بهذا الشكل، ولا أحد يعوض دور الخطيب والواعظ، وإذا كان لا بد من التحديث فهناك أساليب متطورة مثل: دعم الدروس بالعاكس الضوئي وإلقاء دروس ومحاضرات بـ(الباور بوينت) أو أية وسيلة متطورة أخرى، مثلما يحدث في الجامعات وغيرها من أجل التوضيح".

الانتظار أفضل من الاستعجال

ويلفت الواعظ الأستاذ عمر -انطلاقًا من زياراته المتكررة إلى أمريكا- النظر إلى أن أماكن العبادة المسيحية خالية من مثل هذه التجهيزات، والمتدينين يؤدون شعائرهم بصورة تقليدية، بينما هناك ملحقات أخرى للقسيسين والراهبات، وبعض الأجنحة الأخرى هي التي توجد فيها هذه التجهيزات، فهل سنتفوق على الآخرين في ابتكار وسائل تدين جديدة أفضل عطاء وجدوى؟ ذلك ما سوف تكشف عنه الأيام المقبلة بخصوص تقييم تجربتنا الوطنية في مجال الإصلاح الديني.

ويسير الأستاذ محمد (واعظ ببعض مساجد الرباط) قريبًا من هذا الاتجاه في عدم التسرع بالحكم السلبي على هذه الوسائل الجديدة، ويقول: "لطالما ناشدنا الإصلاح والتجديد في مجال الوعظ والإرشاد وعموم الخطاب الديني، واعتماد أحدث ما يمكن من الوسائل والتقنيات، فالمشكلة لا تكمن أبدًا في هذه الوسائل بقدر ما ينبغي الوضوح في مجال المقاصد والغايات من وضعها، وتأهيل القائمين عليها حتى يحققوا المراد بقدر كبير من الإحسان، والمهم هو ما سيبث فيها وما ينقل عبرها، وكذا من المهم التفكير في صيانتها والمحافظة عليها من التلف والضياع والسرقات؛ لما ستضيفه من عبء جديد على قيمين دينيين لا تخفى وضعيتهم على أحد، مما يستوجب إرفاق هذه التجهيزات بتعويضات بسيطة للقائمين على حفظها، كما أنه لا بد من مذكرات وتوجيهات وضوابط للاستعمال من الوزارة الوصية والمجالس العلمية، حتى لا يتم تحريفها عن مقاصدها النبيلة، وعلى كل حال، فالمبادرة تستحق التنويه والتشجيع واقتراح خير السبل لاستثمارها في الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والتفقه في الدين".

ام هزاع