العودة   منتديات بعد حيي > المــــنتديات العــــامه > منتدى نَفُحـــــآتّ إسٌلامٌيهّ
 
 
 
 
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-25-2010, 11:21 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو

مراقب عام

 
الصورة الرمزية امير السعوديه
 

 

 
إحصائية العضو







اخر مواضيعي
 

امير السعوديه غير متصل


عبر وعظات من قصة الإفك

عبر وعظات من قصة الإفك للشيخ ابو اسحاق الحويني -حفظه الله-

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



إن أعظم مصيبة أصيب بها المسلمون في وجود النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن مات: هي مصيبة الإفك، هذه الحادثة التي هي أعظم المصائب التي أصابت ديار المسلمين، والتي نزل في شأنها مطلع سورة النور، وقد قصتها علينا صاحبة القصة عائشة رضي الله عنها، كما رواه البخاري ومسلم ، وهي كلها محن، ومع ذلك قال الله عز وجل لنا:" إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ"[النور:11]. وعندما نسوق القصة سيُعلم كيف يخرج الخير من الشر، وما هو ضابطه.. قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرجت معه، فصار السهم على عائشة رضي الله عنها فخرجت في تلك الغزوة -وهي غزوة المريسيع ، أو غزوة بني المصطلق- فلما قضوا غزوتهم ورجعوا قافلين إلى المدينة ، أرادت عائشة رضي الله عنها أن تقضي حاجتها، وكانت تركب الجمل داخل الهودج -والهودج: هو الغرفة التي كانت تزف فيه العروس قديماً أيام الحياء، فقد كانت توضع المرأة في هذا الصندوق الخشبي، ويوضع على ظهر بعير وتزف، فهذا هو الهودج-. فأرادت السيدة عائشة وهي راكبة في هذا الهودج، أن تقضي حاجتها، فأمرت الذين يرحلون بالبعير أن يسرعوا أمام الجيش، لتقضي حاجتها، حتى إذا جاء الجيش مشوا جميعاً، فاستحثوا الذين يرحلون البعير وتقدمت، وأنزلوا هذا الهودج على الأرض وأعطوها أقفيتهم حتى تنزل، فنزلت وأوغلت في الصحراء، حتى قضت حاجتها ورجعت، وبينما هي راجعة تحسست صدرها فإذا عقد لها قد انفرط، فرجعت من نفسها؛ لأنها كانت جارية حديثة السن، ليس لها خبرة، وكان من المفترض أن تقول للذين يرحلون بها: لقد انقطع عقدي، فانتظروني. لكن لحداثة سنها تصرفت من عند نفسها. فرجعت إلى مكان قضاء حاجتها تبحث عن عقدها، وبعد مدة قدرها الرجال الذين يصحبونها بمدة قضاء الحاجة فظنوا أنها قد جاءت ودخلت في الهودج، فحملوا الهودج يظنونها فيه، ووضعوه على البعير واستحثوه فنفر، ومضوا.


العالم لا يترخص في موضع الفتنة

لأجل هذا نهى العلماء أن يترخص العالم في موضع الفتنة؛ لأنه إذا ترخص في موضع الفتنة ظن العوام أن الرخصة هي الحكم الشرعي، يقول العلماء: إن العالم في زمان الفتنة ينبغي أن يأخذ بالعزيمة ولا يترخص. فهذه المحنة الجسيمة التي ابتلي بها المسلمون جميعاً، وابتلي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه بها، انجلت عن هذا الخير العميم، وكشف الله عز وجل بها المنافقين للناس!

ضرب رءوس المجتمع ضرب للمجتمع

ومن الفوائد العظيمة التي تستقى من حديث الإفك: أن ضرب الرأس هو أعظم مصيبة يصاب بها المجتمع. فالرأس مع بقية المجتمع مثل السهم، فإن الرأس المدبب في مقدمة السهم إذا كسر، لا يستفاد ببقية السهم في الاختراق، فحفاظ المجتمع على رأس السهم ضرورة، ولو ضاع رأس السهم لضاع الكل خلفه، وليست هناك لنا أي مصلحة في تدمير رءوس المسلمين، بل أعداؤنا يرون في تدمير الرءوس خفة مئونة. إذا أسيء الظن بالرأس فسدت المبادئ والقيم، ولذلك فأعداؤنا يحرصون على تشويه سمعة علمائنا، وعلماؤنا هم رءوسنا، بهم نمضي، وبغيرهم نحن ضائعون، وتعرف قيمة المجتمع بكثرة علمائه الذين يدلون على الله، لا بكثرة أطبائه ولا مهندسيه ولا فدائييه، إنما المجتمع يقاس بكثرة علمائه أو بقلتهم، بعزهم وشرفهم أو بمهانتهم. فهذا المنافق صوب السهم إلى عائشة رضي الله عنها ليتهم النبي صلى الله عليه وسلم فيها، وهكذا لو أن رجلاً رأساً أشيع عنه أنه زانٍ، أو أنه مرابٍ، أو أنه فاجر، فإنه إذا صعد على المنبر وأمر الناس بتقوى الله لا يكون لكلامه رصيد، فنكون قد ضيعنا كل هذا المجتمع بفساد واحد، وصدق من قال: إذا زل العالمِ زل بزلته عالَم.

نزول براءة عائشة رضي الله عنها

قالت: (وتحولت، فو الله ما قام أحد من البيت ولا قام أحد من المجلس إلا وقد أنزل الله براءتي، تقول: ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بكلمة، إنما كنت أظن أن الله سيري نبيه رؤيا يبرئني بها، فلما نزل الوحي قامت أمي فجاءتني فقالت: قومي إليه واحمديه -اشكري الرسول عليه الصلاة والسلام- فقالت عائشة : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، الذي أنزل براءتي). وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سُر استنار وجهه كأنه قطعة قمر، فجاء مستبشراً يضحك وهو يقول: (يا عائشة ! أبشري فإن الله برأك) .

موقف أبي بكر من مسطح بن أثاثة

ثم أقسم أبو بكر رضي الله عنه ألا ينفق على مسطح بن أثاثة ، وقد كان فقيراً ينفق عليه أبو بكر ، فنهاه الله تبارك وتعالى عن ذلك فقال:" وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" [النور:22]، فقال أبو بكر : ( بلى، أحب أن يغفر لي، والله لا أنزعها منه أبداً )، وفرق الله عز وجل بين المنافقين والمؤمنين، وكان ذلك بالإفك كما قال الله عز وجل:" لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ" [النور:11].

حدوث الفتنة بين الأوس والخزرج في المسجد

حينئذ قام سعد وقال: (والله لا تقدر ولا تستطيع)، مع أن عبارة سعد بن معاذ لطيفة، وفيها تحرز لطيف. فلما قال سعد بن عبادة ذلك، قام له أسيد بن حضير -وهو ابن عم سعد بن معاذ - فقال: (والله إنك لمنافق وتجادل عن المنافقين)، فقاموا لبعضهم في المسجد، وثار الحيان: الأوس والخزرج، والرسول عليه الصلاة والسلام واقف على المنبر، وأخرجوا السلاح، ووقفوا لبعض ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم بيديه، فلا زال يهدئهم ويخفضهم حتى سكتوا..

عار الزنا أعظم من عار الكفر

إنها محنة لم يمر المسلمون بمثلها قط.. زوجة نبيهم تتهم بالزنا! وهو عار، حتى إن الكفر برغم أنه أفدح المصائب كلها، إلا أنه ليس فيه من العار ما في الزنا! كان والد إبراهيم عليه السلام كافراً، ولم يعير إبراهيم بأبيه، وكان ابن نوح وامرأته كلاهما كافر، ولم يعير نوح أبداً بكفر ابنه ولا بكفر امرأته، وكانت امرأة لوط أيضاً كافرة، ولم يعير بها لوط عليه السلام، فالزنا فيه من العار ما ليس في الكفر، ولذلك يقول ابن عباس رضي الله عنه: ( لم تزن امرأة نبي قط )، قال ذلك في قول الله عز وجل: فَخَانَتَاهُمَا [التحريم:10]، قال: ليست الخيانة خيانة عرض. فتتهم زوجة النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا وهم أحياء!! فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر وعائشة تبكي ليلها ونهارها، وأعظم شيء فت في عضدها هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبرئها، بل هو متردد، وقد استلبث الوحي شهراً كاملاً لا ينزل؛ ليميز الله الخبيث من الطيب، فكان عليه الصلاة والسلام يدخل البيت، ويقول: (كيف فيكم؟) ثم يخرج.

اشتداد الأمر على عائشة

حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم يوماً بعد شهر كامل، فجلس على طرف سريره، وكانت أول مرة يجلس فيها، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وقال: (يا عائشة ! إن كنت ألممت بذنب فاستغفري، فإن العبد إذا أذنب فاعترف بذنبه وتاب تاب الله عليه). فحز ذلك جداً في نفسها، وكانت تنتظر أن يبرئها لتاريخها معه، ولا يتوقف في شأنها، بل يقول هي بريئة، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتكلم عن هوى نفسه، وهوى نفسه أن تكون امرأته بريئة، بل ينتظر الوحي حتى ينزل، فلا يتقدم بين يدي ربه، ولذلك سكت ولم يتكلم، قالت عائشة : (فلما قال ذاك قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة). فذهب هذا النهر الفياض على مدار ثلاثة أيام، لم تجد قطرة دمع واحدة في عينها. ومن أصعب الأشياء: الانتظار، فإن الإنسان المحكوم عليه بالإعدام، وهو ينتظر الحكم، لا يأكل ولا يشرب، وجسمه ينحل؛ إذ أن أصعب شيء في حياة الإنسان انتظار نتيجة لا يدري ما هي! لكن لو عرف أنه ميت أو حي فإنه يستريح، وهكذا لو مات ابن رجل ودفنه بيده خير له من أن يضيع ويبحث عنه في المستشفيات وفي أقسام الشرطة، وفي بلاد الله، وهو لا يدري أحي ابنه أم ميت؟ بل إنه يقول: لو مات لكان خيراً لي، ولاسترحت؛ لأن الانتظار سيء للغاية. فقد كانت عائشة رضي الله عنها تبكي باستمرار وهي لا تدري ما الذي يكون، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يبدئها، بل قال لها تلك الكلمة التي زادت من ألمها وحزنها، حتى قالت: (قلص دمعي، حتى ما أحس منه قطرة، وقلت: إنني إذا قلت لكم: إنني بريئة -والله يعلم أني بريئة- لا تصدقونني، وإذا قلت لكم: إنني فعلت -والله يعلم أني بريئة- لتصدقنني بذلك، فوالله ما أجد لكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف: "فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ" [يوسف:18]. وجاء في بعض الروايات أنها قالت: (وتاه عني اسمه)، وأبو يوسف هو يعقوب عليه السلام، لكنها بحثت عن اسم يعقوب في ذهنها فلم تجده من الهم، والهم يضيع الملكات، ويضيع الذكاء والبديهة.

استخدام العبارات اللطيفة ومراعاة مشاعر الآخرين

حينئذ قام سعد بن معاذ سيد الأوس، الذي اهتز له عرش الرحمن يوم مات، فقال: (يا رسول الله! أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك). انظر إلى التحرز الجميل، ويا ليت إخواننا يتأدبون بهذا الأدب! قبل أن يأتي الإسلام كانت هناك حروب طاحنة بين الأوس والخزرج، فمن الله عليهم بالإسلام، وصاروا إخوة متحابين، لكن بقيت بقايا في النفوس، فـسعد بن معاذ تحرز لنفسه وراعى التاريخ القديم -تاريخ العداوات والحروب- فأخرج هذه الجملة الدقيقة، قال: إن كان من الأوس ضربت عنقه، ولم يستثن ولم يتحرز؛ لأنه سيدهم، وإن كان من إخواننا من الخزرج، فقدم لفظ (الأخوة) ولم يقل: ضربت عنقه؛ لأنه خاف من حدوث فتنة، وبرغم لطافة العبارة فقد حدث الذي خاف منه. فلم ترض هذه الكلمة سعد بن عبادة زعيم الخزرج؛ لأن أراد أن ينال شرف الدفاع عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فـسعد بن معاذ تكلم عن الأوس، فيريد هو أن يتكلم عن الخزرج ويقول أيضاً: إن كان من الخزرج ضربت عنقه، فساءه أن سعد بن معاذ يتكلم عن الخزرج وهو حي.

استشارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في شأن عائشة رضي الله عنه

قالت: (وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه في شأني، فسأل أسامة بن زيد فأخبره بالذي يجد في نفسه له من الود، قال: يا رسول الله هم أهلك، لا نعلم إلا خيراً. أما علي بن أبي طالب فقال: (يا رسول الله! النساء غيرها كثير -لماذا تعني نفسك؟ طلق وتزوج، والنساء غيرها كثير، فلا تتعب نفسك- وإن تسأل الجارية تصدقك. فأرسل إلى بريرة فقال: (أي بريرة ، هل رابك شيءٌ من عائشة ؟ قالت: لا والذي بعثك بالحق، غير أنها كانت جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله) ). هذا هو عيبها، تعجن العجين وتتركه بلا غطاء، فكان يأتي الدجاج ويأكل العجين. فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك صعد المنبر وجمع الصحابة، وقال: (أيها الناس! من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما أعلم عن أهلي إلا خيراً، وقد ذكروا رجلاً ما أعلم عنه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي).

خوض المنافقين وبعض المؤمنين في الإفك

وكان الذي تولى كبره هو المنافق الأعظم عبد الله بن أبي ابن سلول ، ومجمل ما أشاعه: أن صفواناً وقع على عائشة ، فاتهمت العفيفة الشريفة الغافلة في عرضها، وهي لا تدري، وهذا المنافق يتكلم، واستجاب لكلامه بعض المسلمين الأخيار كـحسان بن ثابت ، فقد تكلم، وتكلمت أيضاً حمنة بنت ************ ، أخت زينب أم المؤمنين رضي الله عنها.

معرفة عائشة بحديث الإفك

ورجعت عائشة إلى بيتها مريضة، واشتكت من مرضها شهراً كاملاً، وهي ولا تعلم بالخبر، والمدينة تغلي، حتى خرجت ليلة مع أم مسطح قبل المناصع -وهو مكان يقضون فيه حاجتهم- وكانت العرب إذ ذاك تستنكف أن تتخذ الكنف في البيوت -أي:دورة المياه- إنما عندهم الصحراء، فأيما رجل أو امرأة أراد أن يقضي حاجته فإنه يذهب إلى الصحراء. فـعائشة رضي الله عنها خرجت مع أم مسطح لتقضي حاجتها، وكانت قريبة لها في الرحم، فقضوا حاجتهم، ثم وهم راجعون عثرت أم مسطح في مرطها، أي: تعثرت في ثوبها، فقالت: (تعس مسطح! ). تدعو على ابنها، وهذه كلمة كانت تخرج وتجري على لسان العرب، لا يقصد بها الدعاء، مثل قول النبي عليه الصلاة والسلام لـمعاذ : (ثكلتك أمك يا معاذ! ) أي: فقدتك، ومثل هذا في قصة الرجل الذي أصابته الشجة في رأسه واحتلم، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (هل تجدون لي رخصة أن أتيمم من الجنابة؟) لأنه إذا اغتسل دخل الماء في رأسه فربما يموت، فقالوا: (لا نجد لك رخصة) فاغتسل فمات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (قتلوه قتلهم الله)، فليس المقصود بهذا حقيقة الدعاء بالقتل، وإنما همو يجري مجرى التوبيخ. فقالت أم مسطح : (تعس مسطح! ) فقالت عائشة : (فأنكرت عليها ذلك، وقلت لها: بئس ما قلت! أتسبين رجلاً شهد بدراً؟! فقالت: أي هنتاه! أولا تدرين ما يقول؟ قالت: وما يقول؟ فقصت عليها حديث الإفك، وما يخوض الناس فيه. قالت: فازددت مرضاً على مرضي، وظللت ليلتي أبكي، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي، فلما أصبحت استأذنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتي أبوي، وذلك لأستوثق من الخبر، قالت: فجئت فدخلت على أمي -أم رومان - فقلت: أي أماه! ما الذي يتحدث الناس فيه؟ قالت: هوني عليك يا بنيتي، فوالله لقلما وجدت امرأة وضيئة عند رجل ولها ضرائر إلا أكثرن عليها. فقالت عائشة : سبحان الله! أوقد تحدث الناس بذلك؟! قالت: فبكيت يومي لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي، قالت: ويريبني أني لا أجد اللطف الذي كنت أجده من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أشتكي). فلا يريبها شيء إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام يكون شديد اللطف معها إذا مرضت، وهي الآن مريضة ثلاثين يوماً، شهر كامل، ومع ذلك فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يقول لها غير كلمتين اثنتين فقط، طوال ثلاثين يوماً، يدخل وهي مريضة طريحة الفراش، وحولها أمها وبعض النساء وأبو بكر الصديق ، فيدخل فيسلم، ثم يقول: (كيف تيكم؟) (تيكم): اسم إشارة، أي: كيف هذه؟ كيف حالها؟ هذا فقط هو ما كان يقوله طيلة شهر، وهي تستغرب أين اللطف المعتاد؟! ولا تجد سبباً، حتى وجدته بعد شهر كامل.

النوم في الفزع نعمة

والنوم في مواطن الفزع نعمة؛ لأن الخائف لا ينام بل يصاب بأرق، فإذا نام في موضع الخوف فالله هو الذي أمنه، كما قال عز وجل:" إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ" [الأنفال:11] وكيف ينام رجل يستعد للحرب وعدوه في مقابله؟ لكن هذا أمن من الله تعالى.

عثور صفوان على عائشة رضي الله عنهم

فنامت حتى ينقضي عليها الليل، قالت: (وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني في أخريات الجيش). صفوان بن المعطل السلمي الصحابي كان يتأخر بطبعه، وفي بعض الروايات أنه كان نئوماً، وكان إذا نام لا يستيقظ إلا بصعوبة، حتى يأخذ راحته في النوم. فهو عندما استراح الجيش نام، فتركوه نائماً ومضوا، وكان إذا أفاق من نومه بحث في المعسكر إذا خلف أحد شيئاً، أو نسي أحد شيئاً، فيصيب الإداوة أو يصيب القدح، ثم يذهب فيعرفه لهم، فجاء صفوان متأخراً كعادته، وكان يعرف عائشة ؛ إذ كان يراها قبل الحجاب، قالت: (فلما رآني استرجع -قال: إنا لله وإنا إليه راجعون- فاستيقظت لاسترجاعه، فخمرت وجهي بجلبابي، فوالله ما كلمني كلمة، سوى أنه أناخ بعيره فركبت عليه فاستنفره فمضى خلف الجيش، حتى أدركناهم موغلين في حر الظهيرة)، وخاض الناس في حديث الإفك.

التماس العذر للمسلم

تقول عائشة رضي الله عنها: (وكانت النساء إذ ذاك خفافاً لم يحملن اللحم، إنما كان يكفيهن العلقة من الطعام). وهذا أدب ينبغي أن نتعلمه، فـعائشة رضي الله عنها تلتمس لهم العذر الذي جعلهم يحملون الهودج ولا ينتظرونها، تقول: (كانت النساء خفافاً) أي:خفاف الوزن، لم يثقلهن اللحم، فظن الناس -لخفة النساء آنذاك- أنها في الهودج، لذلك فهي تلتمس العذر لهم ولا تلومهم، ولم تقل لهم: لماذا لم تنتظروا؟ وتلقي عليهم الملام. فمضوا وظفرت هي بعقدها، قالت: (وجئت ديارهم فلم أجد بها داعياً ولا مجيباً، فظللت مكاني، وعلمت أنهم إذا فقدوني رجعوا إلي)، وهي في صحراء شاسعة مترامية الأطراف وحدها، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه على امرأة حديثة السن وحدها في صحراء مقفرة قاحلة، قالت: (فألقى الله علي النوم فنمت).


منقول من موقع منزلة المرأة المسلمة







التوقيع

رد مع اقتباس
 
 
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:57 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir