بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
اللهم وفقنا لكل خير، وارزقنا الإخلاص في القول والعمل
وأصلح ياربنا ماظهر منا وما بطن
أما بعد:
النّصح
لقد جاءت عباراتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم حثيثةً في جوامعِ كلِمٍ
هي قليلةٌ في المبنى، ولكنّها عظيمة المعنى،
حيث يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم :
((الدّين النصيحة))
قالها ثلاثًا،
قالوا: لمن يا رسول الله؟
قال:
((لله ولكتابِه ولرسوله ولأئمّةِ المسلمين وعامّتهم))
رواه مسلم.
قال النوويّ رحمه الله:
( هذا حديثٌ عظيم الشّأن، وعليه مدارُ الإسلام،
وأمّا ما قاله جماعاتٌ من العلماءِ أنّه أحدُ أرباع الإسلام
ـ أي: أحدُ الأحاديث الأربعة التي تجمَع أمور الإسلام ـ فليسَ كما قالوه،
بل المدارُ على هذا وحدَه )
فالواجب على العاقلِ ـ رعاكم الله وحفظكم ـ لزومُ النصيحةِ للمسلمين كافّة،
وتركُ الخيانةِ لهم بالإضمار والقول والفعل معًا،
وخيرُ النّاس أشدُّهم مبالغةً في النّصيحة،
كما أنّ خيرَ الأعمال أحمدُها عاقبةً وأحسنها إخلاصًا،
وضربُ النّاصح خيرٌ من تحيّة الشانِئ،
ولا يمنَع من التّمادي في النّصح والإكثارِ فيه عدمُ القبول مِن المخالِف أو عدمُ رضاه؛
لأنّ العبدَ المسلم مأمورٌ بالتماسِ رضا الله وحدَه ولو كان بسخطِ النّاس،
فلقد كتَب معاوية رضي الله عنه إلى عائشةَ رضي الله تعالى عنها أن اكتبي إليّ كتابًا
توصِيني فيه ولا تكثِري عليّ،
فكتبَت عائشة إلى معاوية:
سلامٌ عليك، أمّا بعد:
فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((مَن التمسَ رضا الله بسخَط النّاس
كفاه الله مؤونةَ النّاس،
ومن التمَس رضا النّاس بسخَط الله
وكَلَه الله إلى النّاس))
رواه التّرمذي.
ولأجل ذا كان النّاصح العاقلُ ـ رعاكم الله ـ مَن مقالُ حالِه ساعةَ يتصدّى للنّصح والإرشاد:
لا نريدُ منكم جزاءً ولا شكورًا، إنّا نخاف من ربّنا يومًا عبوسًا قمطريرًا.
يقول ابن القيّم رحمه الله:
( إذا رُزق العقلُ الغريزيّ عقلاً إيمانيًّا مستفادًا من مشكاةِ النبوّة،
لا عقلاً معيشيًّا نفاقيًّا يظنّ أربابُه أنّهم على شيء، ألا إنّهم هم الكاذبون،
فإنّهم يرونَ العقلَ أن يُرضوا الناسَ على طبقاتِهم ويسالِموهم ويستجلِبوا مودّتهم ومحبّتهم،
وهذا مع أنّه لا سبيلَ إليه فهو
إيثارٌ للرّاحة والدّعَة ومؤونةِ الأذى في الله والمحبّة فيه والبُغض فيه،
وهو إن كان أسلمَ في العاجلةِ فهو الهَلك في الآجلة،
فإنّه ما ذاق طعمَ الإيمان من لم يحبَّ في الله ويبغِض فيه،
فالعقلُ كلّ العقل ما أوصَل إلى رضا الله ورسوله ) انتهى كلامه رحمه الله.
ولقد صدق الله جلّ وعلا إذ يقول:
( ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ
وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ )
سورة النحل آية رقم 125
( فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ )
سورة فصلت آية رقم 34
ولايزال للحديث بقية إن شاء الله تعالى
فعسى أن ينتفع الجميع بذلك
وماتوفيقي إلا بالله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون