تاريخ الرسول في حروبه أوضح دليل على المعنى النبيل الذي خاض من أجله رسول الله صلى الله عليه وسلم حروبه ومعاركه، فما أعلن الرسول الحرب إلا بعد أن اضطهد هو وجماعته في عقيدتهم، وأخرجوا من أوطانهم، فجاءت معركة بدر وما تلتها من معارك في سبيل الحرية الدينية، وإقرار السلام والأمن في ربوع الجزيرة العربية، ذلك السلام الذي حاربه الوثنيون من العرب، فأحالوا بطاح مكة ورمالها إلى ميادين لتذبيح المؤمنين وتعذيبهم ومطاردتهم في أرزاقهم وأوطانهم وأموالهم. كما يقول الدكتور مصطفى السباعي (رحمه الله).
ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى مخالفيه جميعاً نظرة عدائية لا تفرق بين معاهد ومحارب وأهل ذمة، ولم ينقض العهود أو يغدر بأعدائه، بل كان يعامل كل فريق من هؤلاء بمقتضى ما يرتبط بينهما من علاقات السلم والحرب، ولقد لخص العلامة ابن القيم مجمل هديه في ذلك في كتابه زاد المعاد، فقال: ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام: أهل صلح وهدنة، وأهل حرب وأهل ذمة، فأمر أن يتم لأهل العهد عهدهم، وأن يوفي لهم ما استقاموا على العهد، فإن خاف منهم خيانة نبذ إلى عهدهم، ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنقض العهد، وأمر أن يقاتل كل من نقض عهده، ولما نزلت سورة براءة ببيان حكم هذه الأقسام كلها فأمره فيها أن يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية أو يدخلوا في الإسلام، وأمره بجهاد الكفار، فجاهد الكفار بالسيف والسنان والمنافقين بالحجة واللسان.