بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد:
ذكر الله تعالى
اعلموا وفقكم الله ، أنَّ لسائل أن يسأل :
ما بال ذكر الله سبحانه، مع خفته على اللسان وقلة التعب منه ،
صار أنفع وأفضل ، من جملة العبادات مع المشقات المتكررة فيها ؟
فالجواب :
هو أن الله سبحانه جعل لسائر العبادات مقدارا ،
وجعل لها أوقاتا محدودة ،
ولم يجعل لذكر الله مقدارا ولا وقتا ،
وأمر بالإكثار منه بغير مقدار ،
لأن رؤوس الذكر هي الباقيات الصالحات ؛
لِما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
((خذوا جُنتكم .
قلنا : يا رسول الله ، من عدو قد حضر ؟
قال : لا ، جنتكم من النار ،
قولوا : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله، والله أكبر .
فإنهن يأتين يوم القيامة منجيات ومقدمات وهن الباقيات الصالحات ))
رواه الحاكم وصححه .
ثم ليعلم كل مسلم صادق ،
أن المؤثر النافع ، هو الذكر باللسان على الدوام ، مع حضور القلب ؛
لأن اللسان ترجمان القلب ،
والقلب خزانة مستحفظة الخواطر والأسرار ،
ومن شأن الصدر ، أن ينشرح بما فيه من ذكره ، ويلذ إلقاءه على اللسان ،
ولا يكتفي بمخاطبة نفسه به في خلواته حتى يفضي به بلسانه ،
متأولا قول الله عز وجل :
( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال
ولا تكن من الغافلين )
سورة الأعراف آية رقم 205
فأما الذكر باللسان ، والقلب لاه ، فهو قليل الجدوى ،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((اعلموا أن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاه ))
رواه الحاكم والترمذي وحسنه .
وكذا حضور القلب في لحظة بالذكر ،
والذهول عنه لحظات كثيرة ،
هو كذلك قليل الجدوى؛
لأن القلب لا يخلو من الإلتفاف إلى شهوات الدنيا ،
ومن المعلوم بداهة أن المتلفت لا يصل سريعا ؛
ولذا فإن حضور القلب على الدوام أو في أكثر الأوقات هو المقدم على غيره من العبادات ؛
بل به تشرف سائر العبادات وهو ثمرة العبادات العملية .
ولذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حذر من أن تنفض المجالس دون أن يذكر الله عز وجل فيها بقوله :
(( ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه
إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة ))
رواه أبو داود والحاكم .
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمقت مجالس الغافلين ،
وينهى عن كل تجمّع خلا من ذكر الله ،
وأن المجالس التي ينسى فيها ذكر الله ،
وتنفض عن لغط طويل ، حول مطالب العيش ، وشهوات الخلق ،
في تهويش وتشويش ، وهمز ولمز ؛
هي مجالس نتنة ، لا شيء فيها يستحق الخلود ،
إنما يخلد ما اتصل بالخالق سبحانه وتعالى ،
ولذا فقد قال صلوات الله وسلامه عليه :
((مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ
فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ:
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلاّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ "
إلاّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ))
( حديث صحيح رواه الترمذي 153/3 ).
هذا وللحديث بقية
فعسى الله أن ينفع به
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب