تحديد البداية الفلكية للشهور!!!
عبد الله بن سليمان بن منيع
وردتني مجموعة أسئلة تتعلق بالهلال من حيث الاستفسار عن معنى الاقتران والولادة وإمكان الرؤية، والمصطلح الفلكي في بدء الشهر بعد الولادة، وحكم العمل بالحساب الفلكي نفياً وإثباتاً. وهل خبر الحساب بالولادة قطعي أو ظني؟ وهل تتعدد الولادة باختلاف المواقيت لاختلاف البلدان، كالاختلاف في أوقات الصلوات؟.
فأجيب عن هذه الأسئلة بما يلي:
الاقتران:
هو اجتماع الشمس والقمر في خط طولي واحد، بحيث لا ينعكس ضوء الشمس على القمر، ولا على أي جزء من القمر.
والولادة:
هي تخلُّف القمر عن الشمس، بحيث تكون الشمس أمامه من جهة الغرب، والقمر خلفها من جهة الشرق، فيظهر بها نور الشمس على جزء من القمر.
وإمكان الرؤية: يحصل بالرؤية الطبيعية على رؤية الهلال بعد الولادة.
وقد تم إجماع علماء الفلك قاطبة على أن الولادة تتم في لحظة واحدة، وأن خبر الولادة قطعي لا يتردد في قبوله واعتباره أحد من علماء الفلك مهما تعددت مشاربهم وأفكارهم وعقائدهم، وأن قول من يقول بأن خبر الولادة ظني قول جاهل لا يدري أنه جاهل.
وقد سبق للعلامة الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله- وهو أحد علماء الأزهر أن كتب رسالة أكد فيها أن خبر ولادة الهلال خبر قطعي، كقطعية صحة القول بأن الخمسة المضروبة في أربعة عشرون. وسخر من نفسه أول ما عرضت عليه مسألة ولادة الهلال فقال بأن الخبر بالولادة ظني. وألقى باللائمة الشائنة على من قال في مسألة من مسائل العلم بقول عار عن التصور وإمعان النظر.
أما إمكان الرؤية بعد الولادة فهو محل اختلاف بين أهل العلم لا سيما علماء الفلك، فبعضهم يقول بإمكان الرؤية إذا كان الهلال على زاوية محددة المقدار وبدرجة معينة على اختلاف بينهم في مقدار الزاوية وتحديد الدرجة، وبعضهم يقول بإمكان الرؤية مطلقاً بعد الولادة، حيث لا يجوز قصر قدرة الله تعالى على إنعامه على بعض عباده بالقوة المطلقة في الإبصار، فقد تواترت الأخبار بأن بعض حديدي البصر يرون القمر مقارناً للشمس في النهار. وبعض علماء الشرع حينما يقولون بأن الولادة ظنية، وأن علماء الفلك مختلفون فيما بينهم هل هي قطعية أم هي ظنية؟.
هؤلاء البعض من علماء الشرع يخلطون بين الولادة وإمكان الرؤية، ويظنون أن الخلاف في إمكان الرؤية خلاف في خبر الولادة. والصحيح أن علماء الفلك مجمعون على أن خبر الولادة قطعي لا يقبل الشك ولا التردد، وأن إمكان الرؤية محل خلاف في تقديره بعد الولادة.
أما المصطلح الفلكي في تحديد بدء الشهر أو نهايته بعد الولادة فهو محل خلاف بين أهل العلم، فجمهور الفلكيين يعتبرون ساعة جرينتش هي التوقيت العالمي، فإذا كانت الولادة قبل نهاية الساعة الثانية عشرة مساء - بتوقيت جرينتش- كانت الساعة الواحدة صباحاً من مبدأ أول يوم من الشهر، وإذا كانت الولادة بعد نهاية الساعة الثانية عشرة مساءً، كان بقية الليل والنهار بعده آخر يوم من الشهر.
وهذا المصطلح مخالف للنظر الشرعي، فقد صدر قرار من مجلس الوزراء السعودي باعتبار الولادة، وباعتبار التوقيت الغروبي لمكة المكرمة، وباعتبار الليل أول اليوم، فإن تمت ولادة الهلال قبل غروب الشمس فإن الليلة التالية للولادة هي ونهارها أول الشهر. وإن كانت الولادة بعد غروب الشمس فإن الليلة التي ولد فيها الهلال هي ونهارها آخر الشهر، ولا اعتبار لتوقيت جرينتش، وهذا يفسر معنى اختلاف علماء الفلك في مبدأ دخول الشهر وخروجه، ومن ذلك شهر رمضان.
أما حكم العمل بالحساب الفلكي في إثبات دخول شهر رمضان وخروجه فقد صدرت مجموعة من القرارات الفقهية من هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، ومن غيرها من المجامع الفقهية بأن ذلك لا يجوز، وأنه مخالف لقول الله تعالى: «فمن شهد منكم الشهر فليصمه» ولقوله - صلى الله عليه وسلم-: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته». فلو ثبت فلكياً دخول الشهر بحيث تمت ولادة الهلال قبل غروب الشمس، ولم يتقدم أحد بشهادة رؤيته بعد غروبها فلا يجوز إثبات دخول الشهر بذلك، حتى يثبت دخوله برؤية معتبرة.
وأما حكم العمل بالحساب الفلكي من حيث النفي فيجب الأخذ بذلك. فإذا كانت ولادة الهلال بعد غروب الشمس من أي مكان في أرض الله، ثم جاء شاهد أو أكثر يشهدون برؤيته بعد غروب الشمس فيجب رد هذه الرؤية؛ لأن الرؤية شهادة، ومن أسباب رد الشهادة أن تكون مرتبطة بما يكذبها، إذ كيف يرى الهلال بعد غروب الشمس والحال أن الشمس غربت قبل أن يولد.
فتحصل من ذلك أن الحساب الفلكي يجب العمل به في النفي دون الإثبات، ويندرج تحت هذا الحكم الأحوال الآتية:
الحال الأولى:
ما إذا كانت ولادة الهلال قبل غروب الشمس، وجاء من يشهد برؤيته بعد غروب الشمس، فإذا كانت الشهادة من عدل برؤية هلال رمضان فيجب العمل بها، ويثبت بها دخول شهر رمضان لانفكاك الرؤية عما يكذبها.
الحال الثانية:
ما إذا كانت ولادة الهلال بعد غروب الشمس، وجاء من يشهد برؤية الهلال بعد غروب الشمس، فيجب رد هذه الرؤية مهما كانت ومهما كان عدد الشهود بها؛ حيث إنها شهادة لم تنفك عما يكذبها، إذ كيف يرى الهلال بعد غروب الشمس، والحال أن الشمس غربت ولم يولد؟.
الحال الثالثة:
ما إذا كانت ولادة الهلال قبل غروب الشمس ولم يتقدم شاهد برؤيته، فلا يثبت بذلك دخول الشهر وإن كان ثابتاً فلكياً بحكم ولادته قبل غروب الشمس؛ لأن الاعتبار في الإثبات بالرؤية المعتبرة شرعاً لقوله - صلى الله عليه وسلم- «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته».
الحال الرابعة:
ما إذا كانت الولادة بعد غروب الشمس، ولم يتقدم أحد بالشهادة برؤيته، فتكون تلك الليلة ونهارها بعدها آخر الشهر بلا خلاف.
وأما السؤال هل تتعدد الولادة باختلاف أوقات البلدان كاختلاف أوقات الصلوات فيما بين تلك البلدان؟
فالجواب على ذلك بأن الولادة تتم في لحظة واحدة بالنسبة للأرض ولا تتعدد، وإنما الاختلاف في تحديد وقت الولادة بالنسبة لكل منطقة من مناطق الأرض، فإذا كانت ولادة الهلال في المملكة العربية السعودية الساعة العاشرة مساءً، فتكون ولادته في جمهورية مصر العربية الساعة التاسعة مساءً، وفي إنجلترا الساعة السابعة مساءً، وهكذا فالاختلاف في التوقيت لا في الولادة.
عضو هيئة كبار العلماء
عكاظ
JOKAR
|