«الهيئة».. مشيٌ على الأشواك.. وإصرارٌ على الأداء المتحضِّر
الرياض ( إخبارية حائل ) : يستطيع أي متابع لأداء الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يلمس تحولاً جوهرياً، ليس فقط على صعيد الآليات المعتمدة في الميدان، بل أيضاً من حيث قدرات العاملين فيه ومهاراتهم، ناهيك عن توجهات الرئاسة نحو المجتمع وكيفية تعاطيها مع القضايا التي تدخل في نطاق عملها وفقاً لتقرير أعدّته الشرق.
ويبدو أن الطريق الذي اختاره الرئيس العام للهيئة الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، لم يكن سهلاً، بل كان بمنزلة مشي على الأشواك، لكنه رغم ذلك أحدث تحولاً كبيراً في مردود العمل الميداني، وأكسب هذا التوجه الحضاري الجديد، الهيئة حُلة أكثر ألفة في المجتمع، فلم تعد سوطاً مسلطاً، بل باتت ترياقاً هادئاً وناجعاً. وبين الحالتين حدثت مراجعات عديدة، على المستوى الداخلي في الهيئة أولاً، ثم بين الهيئة والمجتمع، وصولاً إلى المكاشفة التامة التي حفظت سُمعة الهيئة، ولم تطلب حماية للمخطئين من أعضائها.
ضبط إيقاع الميدان
لم يكن أحد يعرف أعداد المتعاونين مع الهيئة، لكن عددهم لم يكن بسيطاً في ظل انتشارهم وعدم معرفة الهيئة أحياناً بأسمائهم، فقد كان التعاون يُبنى على المعرفة والصداقة والترشيح أحياناً. لكن ذلك لم يكن له أي مسوّغ نظامي، وتسببت هذه الحالة في إحراج للهيئة، في ظل غياب تنظيم يحفظ الحقوق ويعلمهم الواجبات.
ومع تعيين الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ رئيساً للهيئة، بدا واضحاً أن مرحلة جديدة من عمر الهيئة قد بدأت، خاصة مع تصريحه الشهير للإعلام حين قال: «سترون التغيير للأفضل في جهاز الهيئة».
وكان من أول وأهم الإجراءات التي اتخذها الرئيس العام الجديد للهيئة، تنظيم عمل الأعضاء الميدانيين. وتمثل التنظيم في توجيه تضمَّن منع حضور المتعاونين في الميدان أو الرئاسة، وعدم السماح بوجودهم، مستنداً على كفاية وقدرة الأعضاء الرسميين في الهيئة. وقد حاول بعضهم تأخير القرار أو التريث في تطبيقه، لكن الرئيس رفض، مشدداً على أنه «إذا لم يبرز عضو الهيئة الميداني بطاقته التي توضح عمله فعليكم بالاتصال على 999 للإبلاغ عنه». وكان هذا التحول ينبئ عن تغيير واضح في الأداء للأفضل كما وعد الرئيس الجديد، ولقي هذا الوضع الجديد تفاعلاً إيجابياً من قِبل الإعلام الذي بدا بعد هذا التوجه متفهماً للدور المجتمعي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثواب وعقاب!
ولم يكتفِ الرئيس الجديد بتنظيم القوى العاملة في الميدان، بل بدأ سلسلة من الإجراءات استهدف منها ترشيد أداء الأعضاء العاملين في الميدان، بما ينعكس إيجابياً على أدائهم. فقد نبّه الرئيس العام للهيئة الأعضاء الميدانيين إلى أنهم على ثغر، وأن عملهم مُضنٍ، لكنه طمأنهم بأنهم سيجدون الدعم والمساندة منه شخصياً. وقد ترجم الرئيس العام هذه الوعود إلى واقع عملي، حيث أعطى الميدانيين مميزات وظيفية من بينها «خارج دوام»، كما حرّك ترقياتهم، لكنه في الوقت ذاته حذر من الأخطاء والتسوّر والتجسس والمطاردات، وأكد أنه سيحاسب مرتكب هذه المخالفات فوراً، معللاً ذلك بأن الأنظمة والتعليمات لم تخوّل لعضو الهيئة تلك الممارسات، مؤكداً أن تجنب تلك المخالفات يُحافظ على عضو الهيئة من الوقوع في أي تجاوز غير محسوب من قِبل المخطئين. وكان لهذه التوجهات عائدها الإيجابي على الأداء الميداني، إذ تراجعت الأخطاء، وإن لم تنتهِ. بل بدا الرئيس واثقاً من هذا الأثر حين قال في افتتاح مؤتمر الأمن الفكري في تبوك قبل أسبوع: إن الأخطاء والتجاوزات قلّت ولم تتجاوز خمسة أخطاء منذ توليه المسؤولية، مرجعاً ذلك إلى وجود تنظيم واضح يحفظ الحقوق للجميع.
تعزيز القدرات اللوجستية
وعلى الأرض، عُززت الهيئة بعدد غير مسبوق من السيارات أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حيث تم توزيع 187 سيارة على الميدانيين، واستحدثت 2394 وظيفة جديدة، وتم تدعيم العمل الميداني بعدد كبير من الموظفين العاملين في وظائف إدارية. وطرأت مطالبات بتوظيف المرأة في الهيئة، وهو ما يتوقع أن يدخل حيز التنفيذ عما قريب، حين يصدر الأمر بتوظيفها. وكان هذا مما يحتسب للرئيس العام الجديد، الذي دعا في أكثر من مناسبة إلى توظيف المرأة في الهيئة، ولكن في مكان مستقل يحفظ كرامتها ويساعدها على أداء العمل بشكل أفضل، وبما يسمح للعنصر النسائي بالمشاركة في تطوير الأداء الميداني.
وعلى جانب آخر من خطة تطوير الهيئة، بدا واضحاً حرصها على بناء مراكز جديدة مستقلة، مع الابتعاد عن المباني المستأجرة في مناطق المملكة كافة، وأصبح لديها 19 مبنى مستقلاً شُيدت على طرز حديثة، فضلاً عن 72 مبنى مازال تحت الإنشاء، وهو ما يصب في تلبية احتياجات أعضاء الهيئة لوجود مبانٍ خاصة بهم تساعدهم على تحسين أدائهم الوظيفي على أكمل وجه، حيث لم تحقق مراكز الهيئة سابقاً احتياجات العضو الميداني ولا وفرت كثيراً مما يتطلبه العمل.
تفاعل كامل مع الإعلام
ومع التطور الحاصل في منهجية عمل الهيئة، بدا واضحاً أن القيادة الجديدة لها تدرك أهمية مد الجسور مع الإعلام، وهو ما كشف عنه تعيين المتحدث الرسمي الجديد تركي الشليل. لكن الرئيس العام من جانبه كان أحرص على التواصل المباشر مع الإعلاميين، ولم يجد حرجاً في فتح أبواب الهيئة أمامهم في أي حادثة تكون الهيئة طرفاً فيها. وبرهن الرئيس العام على أهمية الحضور الإعلامي للهيئة، من خلال ظهوره المتكرر في البرامج التليفزيونية واللقاءات الصحفية، التي لم تختص بها صحيفة دون أخرى، إذ كان الهدف يتمثل في التواصل مع غالبية وسائل الإعلام، بغية إيصال صورة الهيئة الجديدة إلى الرأي العام بشكل أكثر شفافية، ولتكون الصورة أكثر وضوحاً من خلال المكاشفة والوصول إلى الحقيقة التي ينشدها الجميع.
وحدتان لمكافحة السحر والابتزاز
وسعياً منها لمواصلة طريق التصحيح، وتفعيل أدوارها في المجتمع وفق مبادئ أكثر فاعلية، دشّنت الهيئة في الفترة الماضية وحدة خاصة لمكافحة السحر والشعوذة، وكفِّ أذى المتلاعبين بالناس وضبطهم وإحالتهم إلى القضاء لاستكمال اللازم بحقهم شرعاً. ولنا أن نتصور أهمية الإضافة التي شكلتها هذه الوحدة، عندما نعلم أنها تمكنت من ضبط 272 ساحراً ومشعوذاً خلال الأشهر العشرة الماضية، في مناطق المملكة كافة، وكانت مكة المكرمة الأوفر حظاً من هؤلاء المشعوذين، بواقع 95 ساحراً ومشعوذاً، فيما لم يتجاوز عدد السحرة في الحدود الشمالية ساحراً واحداً فقط. وتعمل الوحدة من خلال مجموعة من العاملين في الهيئة الذين تم رفع قدراتهم من دورات تخصصية لتدريبهم على التعامل مع هذه الفئة، ومعرفة حيلهم وألاعيبهم التي يستخدمونها، مع التعاون في الوقت ذاته مع الإعلام لإشراكه في التوعية بخطر السحرة وأضرارهم.
وعلى صعيد ليس ببعيد عن هذا التوجه، أطلقت الهيئة وحدة خاصة لمكافحة الابتزاز، بعد ما لمسته من حالات الابتزاز. وقد أخضع أعضاء الوحدة لتدريب مكثف، وخصص لهم رقم لتلقي الاتصالات في سرّية تامة. وبدا أن هذه الوحدة آتت أكلها حين عالجت 1114 قضية ابتزاز خلال عشرة أشهر فقط، كان أعلاها في منطقة مكة المكرمة بواقع 252 قضية ابتزاز، أما أقلها فكان في تبوك بواقع عشر حالات فقط.
صيانة لسُمعة الهيئة
وقد بدا الرئيس الجديد للهيئة واضحاً فيما يتعلق بالقضايا التي يحدث فيها نوع من تجاوز الحدود من قِبل أعضاء الهيئة، وترتكب فيها أخطاء ما، حيث اعتمد الرئيس نهجاً يبعد الهيئة عن مواضع الشبهات من خلال إسناد القضايا للجان مستقلة لا تتدخل فيها الهيئة. وهو ما أمكن رصده خلال حادثة مقتل أحد المواطنين وأسرته في بلجرشي، حيث طالب رئيس الهيئة بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، مع إقصاء الهيئة عن التدخل في سير التحقيق من قريب أو بعيد. وتكرر الموقف في حادثة اليوم الوطني الأخيرة، التي راح ضحيتها شابان من أسرة واحدة، حيث طالب رئيس الهيئة بإبعاد الهيئة تماماً عن لجنة التحقيق ليأخذ التحقيق مجراه وينال أصحاب الحقوق حقهم.
ترتيب البيت من الداخل
ويُحسب للقيادة الجديدة للهيئة أنها قادت تدويراً في المناصب القيادية خلال العام الماضي، حيث تم إبعاد مَن لا يفتقدون للقدرة على تطوير العمل أو قيادة دفته بالشكل اللائق، كما أحيل بعضهم الآخر إلى أعمال تناسب قدراتهم بعيداً عن المناصب القيادية. وأصرَّ الرئيس على إحداث التغيير النوعي في الأداء اعتماداً على الخبرات الداخلية في الجهاز، دون لجوء إلى الاستعانة بعناصر من خارج الجهاز. واستطاعت الهيئة أن تصمد في وجه محاولات بعض من القيادات التي أبعدت لإثارة شبهات الفساد حول أداء الهيئة، من خلال تزوير قرارات نُسبت إليها وتم إحباطها وكشف زيفها بالأدلة. وهو أمر تأكد بعدم تطرق الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» إلى أي شبهات فساد في الهيئة طوال الفترة الماضية.
سباق للابتعاث
ويمكن القول بأن الهيئة أصبحت تُعنى، كغيرها من الأجهزة الحكومية، بابتعاث أعضائها الميدانيين، خاصة ليتعلموا اللغة الإنجليزية في الدول الناطقة بها، حتى يتسنى لهم تواصل أفضل مع الأجانب أكثر قرباً من خلال التحدث بأكثر من لغة وإجادة عديد من المهارات. وكان الابتعاث يقابل برفض قاطع في بادئ الأمر، وهو ما شهد تحولاً في فترة لاحقة، وأصبح موظفو الهيئة يتسابقون على الابتعاث، وبات هناك اهتمام بتطوير قدرات الأعضاء الميدانيين بصفة خاصة بابتعاثهم، لتعلم اللغة على فترات تتراوح بين أربعة وستة أشهر، كما تم التعاقد مع بعض المعاهد المتخصصة في اللغة، داخل المملكة، لتطوير لغة الأعضاء مستقبلاً.
تدريب تخصصي
وتزامن مع الابتعاث الذي استهدف تطوير القدرات اللغوية لأعضاء الهيئة، توجُّه لافت لتطوير ملمح آخر من ملامح الأداء، تمثل في تنظيم دورات للأمن الفكري في الرياض والمدينة المنورة وتبوك والمنطقة الشرقية، ينتظر أن تشمل سائر مناطق المملكة لاحقاً. وتتسق هذه الدورات مع حرص الهيئة على تعزيز دور أعضائها في حفظ الأمن الفكري للمجتمع، من خلال محاضرات يُلقيها عدد من المتخصصين في الأمن الفكري بالجامعات أو الجهات ذات العلاقة. ويحرص القائمون على فعاليات الأمن الفكري على وضع تطبيقات عملية للتعامل مع القضايا المستجدة واستيفاء الإجابة عن الأسئلة التي يتكرر طرحها من آن لآخر.
وفي هذا الإطار، اعتمدت الهيئة مشروعاً طموحاً للبرامج التدريبية لعام 1434-1435 يتضمن 18 مادة تدريبية تخصصية تلبي احتياجات العاملين الميدانيين في فروعها الثلاثة عشر، فضلاً عن 21 مادة تدريبية عامة في الشؤون الإدارية. ويقدر عدد المستفيدين من تلك الدورات بـ13275 مستفيداً، نال كل منهم ما لا يقل عن برنامجين تدريبيين طوال فترة المشروع، ووضع عدد من الضوابط للمتدربين، كان من أبرزها أن يتوافق مكان انعقاد الدورة مع مكان عمل المتدرب، كما يحق للمتدرب اختيار ما يناسبه من برامج خلال مدة المشروع. ورفعت الهيئة عدد الدورات من 184 دورة ميدانية خلال العام الماضي إلى 408 دورات خلال العام الحالي، فيما بلغ عدد الدورات الإدارية 78 دورة، ووصلت ورش العمل إلى 45 ورشة خلال هذا العام فقط. وكان فرع الرياض هو الأعلى نصيباً في تنظيم البرامج التدريبية للفروع بواقع 145 برنامجاً، فيما كانت نجران الأقل بواقع 14 برنامجاً.
|