مواصلة الدراسة بعد الطلاق إعادة اكتشاف للنفس وبداية مرحلة جديدة

تقف المطلقة يائسة متحسرة لفشل حياتها الزوجية، وحتى تتمكن من إعالة نفسها تضطر للاتجاه للضمان الاجتماعي، والتردد على الجمعيات الخيرية ومراكز الزكاة وموزعي الصدقات.
بعض المطلقات أكدن أن العلم سلاح، والشهادة درع تحتمي به المرأة من عثرات الأيام وتعسف "بعض" الأزواج، ويمكن المرأة بعد الطلاق من إعادة استكشاف نفسها، لتستطيع مواصلة حياتها بتفاؤل وأمل.
ما أن تطلقت "عواطف " حتى بدأت ترى نفسها في "اللوك الجديد"، فاتجهت إلى رجيم قاس، وغيرت قصة الشعر واللون، ثم كثفت الزيارات المتكررة للأقارب، والسهرات مع الصديقات، كمن تنتقم من التسلط الذي فرضه عليها زوجها طيلة سبع سنوات من زواج، لم ينتج عنه مشاعر ثابتة وقويمة بينهما أو حتى أبناء، ولكنها فجأة توقفت وشرعت في البحث عن طريق جديد.
تقول عواطف "كنت بمجرد أن أخلو مع نفسي أشعر بتأنيب الضمير، فليست هذه الحياة التي أرغب بها وأطمح إليها، فلا أجد نفسي في تغيير الشكل، أو كثرة الخروج والتعارف والزيارات، وبعد تفكير قررت مواصلة دراستي، وكان هذا القرار هو الذي وجدت به نفسي، وحققت به ذاتي، والحمد لله أنا الآن منتسبة لإحدى الجامعات، وأشعر بقيمة الحياة، وأكافح من أجل التخلص من وقع لقب مطلقة على حياتي، وسأثبت أنني أستطيع أن أكون ناجحة بعد الطلاق أيضاً".
إعادة الحسابات
لم يخطر ببال منال (معلمة لغة عربية) أن الشرط الذي وافقت عليه عند كتابة "عقد النكاح" بترك مقاعد الدراسة، والذي اشترطه زوجها عند عقد الزواج سيجعلها تتحسر على ما فاتها، خاصةً أنها كانت من المتفوقات في دراستها على مختلف المراحل، فلم تتوقع أن حياتها مع هذا الزوج ستتحول إلى جحيم، لم تجد النجاة منه إلا بالطلاق، الذي تم لها ونتج عنه طفلتان في عمر الزهور.
بدأت "منال" تراجع حساباتها، وتحاول أن تستدرك ما فاتها من تعليم، واصلت دراستها، وأصبحت الآن تنعم بحياة هادئة مستقرة، ترعى أطفالها، وكان الطلاق من ذلك الزوج والخلاص من قيد الزواج بداية حياة ناجحة.
خشيت س. غازي أن يكون لقب مطلقة وصمة عار في حياتها القادمة، ورأت أن الخروج من هذه الأزمة يكون بمواصلة مشوارها التعليمي المقطوع منذ زواجها، كافحت واجتهدت في التعليم، وهي الآن في نهاية دراستها الجامعية، كما أنها تعمل بدوام جزئي لتستطيع النفقة على أبنائها، تقول " الحمد لله، لم يكن طلاقي إلا سبباً في نجاحي ووقوفي من عثرتي، وبداية العيش بكرامة، بعد أن كاد اليأس يحطم نفسيتي بسبب نظرة الناس التي لا ترحم للمطلقة".
بعد الخلع ابتسمت الحياة
تقول ج محمد (إدارية في سلك التعليم) إن الحياة ابتسمت لها بعد الطلاق، فلم تكن حياتها من قبل إلا ذكرى أليمة لعنف وتسلط واستبداد، وهي الآن وبعد مواصلة دراستها، والتحاقها بدورات مكثفة في الكومبيوتر، حصلت على وظيفة، وأصبح لها ذاتها المستقلة وقيمتها الحقيقية، تقول "بعد طلاقي شعرت كمن استيقظ من غيبوبة أضعت فيها جزءاً كبيرا ومهما من حياتي، مع زوج ليس لديه للحياة الزوجية أية قيمة.
مطلقة أخرى لم ترحمها نظرة الناس، ولم تستسغ لقمتها التي كانت تأتي من الصدقات والزكاة والتردد على الجمعيات الخيرية، وقررت أن تبدأ من جديد، بأن تكمل دراستها، تقول فاديه عبد الله (طالبة تمريض) إن نظرة الناس لا ترحم خاصة بالنسبة للمطلقة، ويعلم الله كم حاولت أن أتجنب هذا اللقب، فلقد تزوجت من أجل الحياة المستقرة، ورضيت بأول شخص تقدم لي، ظناً مني أنه على قدر المسؤولية لإدارة حياتنا الزوجية، ويشاء الله أن أنجب منه طفلين، وبدأت بيننا المشاكل والمشاحنات، وكنت قد تركت مقاعد الدراسة لأتفرغ لبيتي وأسرتي، ولكن بعد أن وقع الطلاق، عقدت مصالحة مع نفسي، وقررت أن لا استسلم للواقع، وأن لا يكون الطلاق عقبة في حياتي، فأكملت دراستي، وها أنا طالبة في معهد للتمريض، وأحلم بالتخرج والعمل والنجاح في الحياة
المطلقة الخاسر الأكبر
ترى الاختصاصية الاجتماعية بدار المسنين بمكة المكرمة حفصة شعيب أن الخاسر الأكبر في مجتمعنا الشرقي هي المرأة المطلقة، وتضيف "رغم ذلك ألاحظ أن اعتماد المطلقة على نفسها في تزايد في الفترة الأخيرة، لأنها أصبحت أكثر وعياً وثقة ومقدرة على تحقيق طموحاتها، ولذلك بدأت تعي وضعها، وواقعها الذي ستؤول إليه لو حدث الطلاق، ولم يكن هناك من سبيل لمواصلة حياة مستقرة وآمنة مع الزوج، ولذلك تشترط كثير من النساء وحتى الآباء مواصلة الدراسة وعدم التوقف عنها بمجرد الزواج".
وتنصح حفصة المطلقة بالبحث عن الفرص التي تستطيع بها اكتشاف نفسها، وإحداث التغير الإيجابي في حياتها، لمواصلة الحياة بنجاح دون التقوقع تحت مظلة المطلقات، والاستسلام للنظرة السلبية للمطلقة في مجتمعنا، وذلك بمواصلة الدراسة، أو البحث عن الفرص التي تثبت بها ذاتها.
وتشير إلى أن الدراسة إحدى أفضل الفرص لكي تتجاوز المطلقة هذه المحنة، والانطلاق من جديد، فالدراسة تنقلها لمجتمع آخر وصديقات جديدات، وتعد من أهم القرارات التي تنفذها المطلقة وأكثرها نجاحاً، فكم من مطلقة بعد طلاقها استطاعت أن تقوم من عثرتها، وتواصل حياتها، وهن الآن يتقلدن أفضل المناصب الإدارية والوظائف في عدد من المجالات، ليس ذلك وحسب، بل واصلن حياتهن الزوجية مع أزواج آخرين، وباستقرار وثبات لا يقارن بحياتهن السابقة".