أعطوا الطريق حقه ..
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِيّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطّرُقَاتِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لَنَا بُدّ مِنْ مَجَالِسِنَا؛ نَتَحَدّثُ فِيهَا.. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم (فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاّ الْمَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطّرِيقَ حَقّهُ) قَالُوا: وَمَا حَقّهُ؟ قَالَ (غَضّ الْبَصَرِ، وَكَفّ الأَذَىَ، وَرَدّ السّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ).
قبسات من قبسات الهدي النبوي والنور، وتوجيهات نبوية ذات معاني وقيم نحن أحوج ما نكون إليها من أي وقت مضى، ونحن في زمن كادت أن تكون الطرقات والساحات العامة فيه مجالسن؛ا نقضي فيها الساعات الطوال، والقيل والقال، وغير ذلك من الأفعال التي لا تليق بقيمتنا في ظل الأخلاق والآداب العامة التي دعا إليها ديننا الحنيف قائلاً: (أعطوا الطريق حقه).
فيتساءل الصحابة رضوان الله عليهم بلسان حال المؤمن القائل: (سمعنا وأطعنا)، وما حق الطريق يا رسول الله؟؛ فيجيبهم نبي الهدى صلى الله عليه وسلم بكلمات تتراءى لك فيها جوامع الكلم التي خص بها النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر).
تلك هي التوجيهات النبوية التي أدركها المؤمنون الأوائل، وحتى ومن سار على نهجهم؛ فاستجابوا لله والرسول لمّا دعاهم لما يحييهم في دنياهم وأخراهم، فعاشوا في ظلال المنهج النبوي ردحاً من الزمان؛ محققين ما ظنه الناس مثالياً من الترابط، والتآخي، وإرساء دعائم الأمن والسلام الاجتماعي بينهم!.
ولكن!
الناظر للواقع، والمتأمل في محيط الشارع العام وما يموج به من الظواهر لا الأخلاقية والسلوكيات لا الإنسانية - من تعدٍّ على المحرمات، وخوض في أعراض الناس بغير حق، وإضاعة للوقت فيما لا يرضي الله - يدرك حقيقة عظمة الخطاب الإسلامي الذي يخاطب الزمان والمكان، وأبعاد ومرامي تلك التوجيهات النبوية التي تحذرنا من الجلوس في الطرقات، وإن كان لا بد منها فيجب علينا أن نعطي الطريق حقّه؛ حافظاً لقيم الأمة، وصوناً لكرامتها وترابط نسيجها الاجتماعي؛ وكي ننأى بأنفسنا عن الخوض في بحور المعاصي والسيئات من الغيبة، والنميمة، والهمز، واللمز، والسخرية، وغيرها.
كل تلك الصفات التي نراها في طرقاتنا العامة تعتبر من صفات الفسق بعد الإيمان، والتعدّي على حرمات بني الإنسان؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِْيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
فطرقاتنا اليوم حالها يغني عن السؤال، فما أن تقع عيناك على طريق عام إلا وتجد فيه مجالس جموع من الناس - وخاصة الشباب - تراهم في مجالسهم تلك وليتهم قالوا خيراً أو صمتوا؛ حتى يكونوا من المؤمنين.
ولكن..من المؤسف حقاً أن تجدهم عن الآداب الإسلامية غافلون، وعن القيم الإسلامية معرضون؛ فلا يغضون الأبصار، ولا يكفون الأذى عن القاصي والداني، بل ربما تكاد لا تجد منهم ردا للسلام الذي هو واجب في الإسلام، فضلاً من أن يأمروا بالمعروف، أو ينهوا عن المنكر الذي به نالت الأمة خيريتها وفضلها على الأمم من قبلها؛ لقوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).
هكذا هو حال مجالسنا اليوم في الطرقات؛ لا يخفى عن الأعين والأبصار، وواقع عايشناه ونعيشه كل يوم في مجالسنا فلا أمرنا ولا نهينا، وظللنا نقترف المعاصي والذنوب من السخرية بهذا، وقذف هذا، وهتك عرض هذا، وغير ذلك من الفواحش؛ حتى بلغ بنا الأمر مبلغ الهزل لا الأخلاقي، وشاع حتى صاغت من وسائلنا الإعلامية دراما ومسرحيات عن ما هو في الطرقات العامة من معاكسات للفتيات، وسخرية بالأمهات، وإلحاق الأذى بالناس، وغيرها من الظواهر السالبة ولا الإنسانية!!.
فأي ذنب أعظم من أن يؤذي الإنسان أخاه المسلم؛ يقول تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً).
ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه).
فالمسلمون حقا هم الذين يحافظون على تلك المحرمات، ويعطون الطريق حقه، ويجلي عملهم ذلك وازعهم الديني، وإيمانهم، وتقواهم لربهم عز وجل؛ لقوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.. التقوى ها هنا.. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم).
فهلاّ استجبنا لتلك المعاني والقيم؛ وأعطينا الطريق حقه، وصنّا أعراضنا، وحافظنا على عزة الأمة وكرامتها؛ وصولاً إلى تلك الخيرية، والأخوة الإيمانية.
اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء، نعم المولى ونعم النصير
والله من وراء القصد.
|