الحريري : فقدت اثنين من أبنائي وتحولت حياتي لكابوس
عبد الله الحجي ( إخبارية حائل )
قوة الإيمان هي القوة الحقيقية للإنسان ، وهي البرهان الكبير على الصلة بين الإنسان وربه ، وقصة اليوم التي تسوقها لقرائها الكرام إخبارية حائل هي قصة تكتب بماء الذهب ، وهي من تلك التي تبقى في ذاكرة الإنسان لا تغادرها لفترة طويلة . بطلها طبيب مقيم من الشقيقة سورية يعمل في مستشفى حائل العام ، تبدل أحد صباحات أيامه من وهج الصباح الجميل إلى ليل أسود من الكئابة والمصائب وصلت قمتها بفقد اثنين من أبنائه في حادث أليم ، ولكنه مع ذلك لم يزدد إلا إيمانا بالله تعالى ، وقربا منه بالرضا بقدره وشكره على كل حال ..
إخبارية حائل التقت الطبيب عبدالله الحريري في حوار أفصح فيه بنفسه عن قصته .. فإلى الحوار :
- صباح الفرح يتحول لكابوس :
يقول الدكتور عبدالله عن نفسه في بداية حديثه لإخبارية حائل " أخوكم الفقير إلى الله د / عبد الله حمدي الحريري اختصاصي الأمراض الجلدية والتناسلية أعمل في مستشفى حائل العام متزوج ولي أربعة أطفال وهم محمد وعمره 13 سنة وبلال 8 سنوات وأسماء 7 سنوات وسمية 3 سنوات . بدأت القصة التي أتذكرها بكل ألم عندما كنت وكعادتي أقوم بتأخير أجازتي السنوية إلى الشهر السابع حتى يفرغ أطفالي من دراستهم وذلك بالتنسيق والموافقة والتفهم الكبير لمثل هذه الظروف من قبلي إدارة مستشفانا المتمثلة بسعادة الدكتور عبد العزيز نخيلان الشمري وسعادة الدكتور نواف الحارثي مدير الشئون الصحية وفقهم الله ورعاهم وقبل الإجازة بأسابيع بل بشهور يبدأ الإعداد وذلك بتهيئة السيارة بشكل دقيق والصيانة الكافية وكذلك نبدأ بشراء الهدايا للأهل والأقارب وصلة الرحم وحتى أطفالي يعدون الهدايا لأقاربهم وأصدقائهم وكم هي الأيام والساعات الحلوة ونحن ننتظر للقاء الأهل والأقارب وصلة الرحم وتمر الأيام بسرعة وينهي أطفالي دراستهم وكلهم والحمد لله بتقدير ممتاز ويحملون معهم شهاداتهم وهداياهم والترتيب والإعداد على أشده .
- الكارثة :
ويضيف الحريري واصفا يوم الكارثة : " ويأتي اليوم المقرر وفي صباح يوم الثلاثاء 21/7/1430 هـ والوقت قبيل الفجر بلحظات وبعد أخذ قسط من الراحة حيث الوقت مناسبا ً وعملا ً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بورك لأمتي في بكورها ) وكلاً يأخذ مكانه في السيارة بعد فرشها وترتيبها نسير على بركة الله ويكون آخر عهدنا بمدينة حائل هي محطة النصية حيث صلينا الفجر هناك وأخذنا منها كل ما نحتاجه من زاد وعلى طريق الجوف السريع الواسع نسير والمجهز بكامل إشاراته المرورية والتعريفية جزى الله خيرا ً من كان سببا ً في تنفيذ هذا المشروع الكبير وننطلق في ذلك الطريق حيث كان الهواء عليلا ً وباردا ً ولم يكن هناك أي ازدحام ومع دعاء السفر وأذكار الصباح يزداد الجو صفاءا ً وطمأنينته ولا تزيد سرعتنا عن 100 /120 حسب عداد السيارة وبشيء من حديث ونشيد الأطفال وسعادتنا بلقاء أهلنا وأرحامنا في سوريا يأنس الطريق ويقصر طوله ونزداد حيوية ونشاطا ً " . ولكن الخطر كان قد اقترب " ولكن سبحان الله يقدر الله علينا ما لم نكن نعلم ففي تمام الساعة الثامنة والنصف صباحا ً تأتي تلك السيارة ذات اللوحة الإماراتية قرب منطقة الرديفة و 50 عن دومة الجندل بسرعة شديدة جدا ً غير منضبطة وتتمايل يمينا ً ويسارا ً ويحصل ما لم نكن نتوقعه فتصطدم بنا من الخلف مع أننا نسير على يمين الطريق وطريقها مفتوح على مصراعيه فينجم عن هذا الاصطدام انفجار خزان وقود سيارتنا وتنزاح السيارة عن مسارها وتشعل بها النار بسبب الانفجار والسيارة الثانية المسببة تنزاح وتخرج إلى الطريق المعاكس" .
- الوداع :
يتنهد الدكتور عبدالله وهو يقول في ألم " فلو قدر الله وكانت سيارة في الاتجاه المعاكس لحصل حادث أشد ولكن بحمد الله الطريق غير مزدحم وفارغ وأنني والحمد لله على يقين لا شك فيه أبدا ً إن هذا قدر من عند الله تعالى ولكن اتسائل لماذا هذه السرعة اللا منضبطة بقوانين السير والمرور ولماذا يقود السيارة من لا يسيطر على نفسه من شدة النعاس أليست الطرق داخل المملكة والحمد لله مليئة بالاستراحات والمعدة بكل وسائل الراحة أقول هذا الكلام وقد علمت أن سائق هذه المركبة قد أعترف لشرطة المرور انه كان على سرعة غير طبيعية وانه كان نائما ً وقد خرج من الإمارات مساء اليوم السابق وطوال الليل لم ينم إنني أتساءل لماذا هذه السرعة لماذا هذا التهور واللامسئولية أليس للطريق حقوق وآداب ؟ أليس للقيادة ذوق وأخلاق ؟ ما الذي نتج عن هذا الحادث الأليم ؟".
وعن الإصابات يقول " تحترق سيارتنا ونصاب جميعا ً في غيبوبة نتيجة الصدمة المفاجئة الشديدة التي نتج عنها ارتجاج دماغ شديد – يصاب ولدي محمد بكسور شديدة متعددة ونازفة وأذية دماغية شديدة وبحرق وبنزيف داخل البطن نتيجة تهتك في الطحال والأمعاء وكذلك بلال يصاب بنزيف داخل البطن وبكسر بالجمجمة والعضد وكذلك الزوجة بارتجاج وأذية دماغية ونزيف في الصدر وتصاب أسماء بكسر في قاعدة الجمجمة وأذية عصبية وأصبت إنا بارتجاج دماغي متوسط الشدة وسبحان الله كان أسلمنا هي أصغرنا سنا ً سمية صاحبة الثلاث سنوات وبالطبع هذا تبين لنا بعد أن أسعفنا إلى دومة الجندل وهناك بالطبع تمت الإجراءات اللازمة ثم تم نقلنا إلى مستشفى سكاكا حيث الإمكانيات أفضل ويشاء الله وبعد الحادث بأسبوع يصاب محمد بفقر دم شديد وينقل له دم ويستأصل له طحال بسبب النزيف الشديد ومن ثم يدخل في قصور كلوي حاد ويتوفى على إثره رحمه الله تعالى لقد جمع عليه أمور ثلاث في هذا الحادث الأليم هو وأخيه بلال - رحمهم الله تعالى – وقوع السيارة المتسببة عليهم وكما يقول العلماء كوقوع جدار – والحرق والعمل الجراحي فأسأل الله أن يرزقهم اجر الشهداء وان ينزلهم منازل الشهداء" .
- محمد ..عاشق القرآن :
ويتذكر الحريري بكل ألم بعض معالم الفرح عن ولده محمد : " محمد عمره ثلاث عشر سنة كان يدرس والحمد لله في متوسطة تحفيظ القرآن الكريم ويحفظ ولله الحمد خمس وعشرون جزءً من القرآن ولقد اشترك في مسابقة الأمير نايف لحفظ الحديث الشريف في دورتها الثانية بالمستوى الأول وكان آنذاك في الصف الخامس الابتدائي وحصل على المركز الأول على منطقة حائل وتم ترشيحه ليشارك في التصفيات النهائية وفاز بالمركز الأول على مستوى المملكة رحمه الله تعالى وهذا من فضل الله علينا واشترك في سنة 1430هـ في نفس المسابقة ولكن في المستوى الثاني وكان أول متوسط وفاز بالمركز الأول على مستوى حائل ورشح ليشارك في التصفيات النهائية بالمدينة المنورة وحصل على المركز الثالث على مستوى المملكة كان يحب المشاركة نشيطا ً ويحب المنافسة وهذا من فضل ربي وكرمه انتهى به المطاف ولفظ أنفاسه الأخيرة وفاضت روحه في مدينة سكاكا مساء يوم الخميس ليلة الجمعة تاريخ 29/7/1430هـ وصلي عليه الجنازة بعد صلاة الجمعة رحمه الله تعالى وإنا لله وإنا إليه راجعون .
- وطن المواقف :
ويشيد الحريري بمواقف غير مستغربة من قيادة هذا البلد الحكيم : " وإني اذكر هنا العطف الأبوي الكبير والمكرمة السامية من قبل سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد ووزير الدفاع والطيران حفظه الله ورعاه وأدام له الصحة والعافية حيث أنه بعد أن اخبر بهذا الحادث أمر سموه الكريم بطائرة إخلاء طبي على الفور وبنقلنا فورا ً إلى مركز متخصص وأعلى إمكانية في جدة مستشفى الملك عبد العزيز الجامعي وهناك تمت الإجراءات والفحوصات اللازمة ".
- بلال ..اغتاله النزيف :
وعن ولده الثاني بلال تعتصره المرارة : " أصيب ولدي بلال بأذية دماغية بالغة وكسر في الجمجمة والعضد ونزف داخل البطن تمت السيطرة على النزف إثر عمل جراحي أجرى له ولكن بقي في حالة غيبوبة مدة أسبوع بعد نقله وتوفي رحمه الله في جدة بتاريخ 16/8/1430 هـ كان يحفظ بحمد الله خمسة أجزاء ونصف من القرآن الكريم ومعظم الأذكار الواردة وكان متفوقا ً وحائزا ً على المركز الأول في الصف الثاني الابتدائي مدرسة الشرق الأوسط للغات الحمد لله على قدره وكل شيء عنده بمقدار وإنا لله وإنا إليه راجعون . وكيف لا نصبر وقدوتنا في ذلك الأنبياء والرسل وبشرنا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم فقال : يقول الله تعالى ما لعبد مؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة ".
ولم يتوقف الأمر على ذلك فشريكة الحياة زوجته أصيب هي الأخرى بأذية دماغية شديدة ولقد تم السيطرة على النزيف واستقر وضعها ولكن بقيت في غيبوبة وأسماء وسمية الحمد لله هن أفضل بكثير ولقد استقر وضعهن بقينا حوالي شهرين في مستشفى الملك عبد العزيز الجامعي بجدة ثم انتقلنا إلى سوريا حيث الزوجة تحتاج والدتها وأهلها بجانبها .
ولا يفارقه إيمانه مع الذكريات الدامية والمؤلمة : "وفي ختام هذه الرحلة إنني لأحمد الله واشكره شكراً كثيرا ً أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا له عبد ثبتنا وصبرنا وجعل لنا أهل وأخوان في هذه البلاد المباركة وحكومتها السامية وهناك من اللفتات والمواقف الكبيرة ما تعجز الكلمات عن ذكره والتعبير عنه واخص بالذكر مدير الشئون الصحية بمنطقة حائل سعادة الدكتور نواف الحارثي وإدارة مستشفى حائل العام وعلى رأسهم سعادة الدكتور عبد العزيز نخيلان الشمري ومتوسطة تحفيظ القرآن الكريم إدارة ومدرسين وجميع الأخوان هنا حيث كان لهم مواقف كبيرة ومشهورة بالدعم والمواساة لما مررت به و حتى هذا الوقت ".
ويوجه ورسالة في هذا المكان لمن ابتلي بأي مصيبة : " أقول ما أعظمها من بشائر بكلام رب العزة حيث يقول تعالى : (( والذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )) (( وبشر الصابرين )) (( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )) أي عطاء وفوز بعد هذا العطاء فأعلم يا أخي المبتلى إن الذي يقدر البلية هو المالك الحكيم الذي هو ارحم بعبده من نفسه ووالدته (( وعسى أن تكرهوا شيئا ً وعسى أن تحبوا شيئا ً وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون ))
ورسالة لأصحاب السرعات العالية واللا منضبطة , أقول ارحموا أنفسكم وتوبوا وأرجعوا إلى الله لأن عدم انضباطكم بقوانين السير والمرور هو مخالفة شرعية قبل أن يكون مخالفة مرورية ولا تعرض نفسك وإخوانك من المسلمين للحوادث الأليمة وإن حرمة دم المسلم عند الله اشد من حرمة الكعبة كما جاء في الأثر والله سبحانه وتعالى يقول : (( إنه من قتل نفسا ً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ً )) .
ثم يوجه نداءه في ألم : " وعن صعوبة التواصل ومتابعة حالة زوجتي وأطفالي لن يكون هناك أي صعوبة بإذن الله تعالى فلقد قدمت طلب إلى سعادة الدكتور / عبد العزيز نخيلان الشمري وفقه الله ملتمسا ً به التكرم بالموافقة على نقلي لصحة القريات لأنها قريبة من منطقتي في سوريا ويسهل بذلك متابعة حالة زوجتي وأطفالي في إجازاتي الرسمية ، فأبدى سعادته تفهما ً كبيرا ً لهذا الظرف وكامل موافقته على هذا الأمر وسوف يتم رفعه على سعادة الدكتور نواف الحارثي مدير الشئون الصحية بمنطقة حائل ، وسعادة الدكتور نواف لن يقصر بشيء فيه مصلحة وسلامة العمل بشكل عام وهذا ليس بعيد وليس مستغرب عنهم جميعا ً وفقهم الله ورعاهم" .
وكلمة خاصة لموقع إخبارية حائل أقول بارك الله فيكم إن متابعة مثل هذا الأمر يدل على متابعتكم المتواصلة لكل الأحداث وتغطية كل الأمور بما يليق وحرصكم الشديد على إظهار الجوانب المضيئة والمشرقة في حياتنا وهذا ليس بمستغرب عنكم فانتم أهلا ً لذلك بارك الله في جهودكم الطيبة المثمرة وسدد على طريق الخير خطاكم .
- شهادة منصفة :
من جهته يقول مدير مستشفى حائل العام الدكتور عبد العزيز النخيلان أثناء اللقاء : " لا انس لقائي الأول مع الدكتور عبدالله الحريري بعد الكارثة التي أحلت به بموت ابنيه وإصابة زوجته وطفلتيه بحادث مروري شنيع ..كنت أحاول أن اعزيه واخفف عليه هول الفاجعة ولكنني وجدت الرجل صابر محتسب حتى ظننت انه هو من يعزيني ويواسيني وهو يقول بكل إيمان هذا أمر الله. الدكتور عبدالله من خيرة الزملاء في المستشفى بأخلاقه العالية وتعامله الراقي مع جميع الزملاء ومع المرضى .. خبر وفاة ابنيه وإصابة زوجته وابنتيه كان مؤثرا لجميع الزملاء في المستشفى ولمرضاه الذين أحبوه . اسأل الله العلي القدير أن يغفر لموتاه ولموتى المسلمين ويشفي مرضاه ومرضى المسلمين وأن يلهمه الصبر والسلوان " .
سعادة الدكتور عبد العزيز النخيلان يتحدث للزميل الحجي
الدكتور الحريري يكشف على احد مراجعيه بمستشفى حائل العام
الحريري يتحدث للزميل عبد الله الحجي حول قصته الماسويه
العضو الأكثر نشاطاً هذا اليوم 
العرض الشجري
