غــــــــربة وتطفــيرة
اشرقت الشمس في الصباح الجميل وكنا نعيش في تلك القرية الجبلية الرعوية
بين الوديان والاشجار مع الرعاة واصحاب الابل والابقار والأغنام .. في
زمن لم نكن فيه نعرف السيارات
ولا المدن ولا حتى المباني ... فقد كنا نعيش في اكواخ خشبية ..
ونعيش مجتمعين جميع ابناء الاسرة لم يشتتنا الزمن ولم نبحث عن الاعمال في المدينة ولم نفترق بعيدا
وحتى عندما نتزاوج ... يكون المكان قريبا .. والقلوب متقاربة .. ونقية كنقاء السماء الممطرة في تلك القرية ..
وكانت الناس تقتات على القمح .. وحليب الأغنام والابقار
والابل .. وتقضي منها حاجياتها في السوق التي كانت
وقتها حية .. أما الآن فقد ماتت كل الاسواق .. ولم يبق
الا القليل من الشيوخ الذين يذهبون لشراء بعض الحاجيات ..
فقد رحلنا الى المدينة وتركنا .. ملك آبائنا .. رحلنا باحثين عن الامان .. والعمل في ظل الحكومة الغالية ..
ولكننا تعبنا من العيش مغتربين .. بلا مال ولا راحة .. معاشاتنا التي نتقاضاها تذهب في اجارات البيوت ..
ولا يبقى منها الا اليسير .. ويذهب في غلاء المواد الغذائية .. فنحن هنا من غير مال وكل شهر نتقاضى
المعاش ونصرفه في هذه المدينة .. وفوق ذلك فنحن مغتربين .. ويقطع قلوبنا الحنين الى الديار .. والحنين
الى القرية التي باتت تريد ... هيكلة واعادة اعمار .. مثلها مثل تلك المدن التي دمرها الحرب .. وحتى نحن
في انفسنا نحتاج الى اعمار هذه المرة . . فلم نعد قادرين على العيش في القرية خلف الماشية .. ولا يمكن لنا
ان نجتمع .. ونعود دفعة واحدة .. فكل شخص له وجهة نظره وحتى الذين يبدون رغبة في العودة الى القرية ..
يشعرون بصعوبة في ترك وظائفهم .. والعودة الى الديار .. انما العمر هو عمر واحد . . ولن نعيش اكثر منه
حتى وان حلمنا بالعيش مرة أخرى في القرية .. فقد اصبحنا غرباء ومتباعدين فأحدنا في شمال الجزيرة العربية
وآخر في اقصى الحدود جنوبا وآخر في وسطها وآخر في شرقها وآخر في غربها .. اصبحنا غرباء متشتتين ..
كل في عمله حتى وان حل بنا اي مكروه .. فإننا مغتربين .. رحلنا وهاجرنا وتركنا قريتنا التي كنا ننعم بالرفاهية
فيها .. واخترنا الغربة والبعد واجواء المدينة الملوثة بادخنة المصانع والسيارات ..
وفوق ذلك فنحن مطفرين ( لا يوجد لدينا اي فلوس )
|